نقطة الاختناق الأولى: منع الشركات من بيع الشرائح الالكترونية المتطورة الى القطاعات الصينية العسكرية (الجيش الصيني أو مراكز أبحاثه) والشركات الخاصة كافة.

مرد هذا الأمر اكتشاف الأمريكيين التفاف الصينيين على العقوبات على القطاع العسكري بحيث إن الشركات التجارية الصينية كانت تشتري الشرائح لصالح الجيش الصيني، فمثلا في عام 2015 قام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمنع شركة إنتل الأمريكية من أن تبيع شرائحها المتطورة المعروفة باسم زيون لصالح الجيش الصيني أو مراكز الأبحاث المرتبطة به كالجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع NUDT، لكن بعد فترة تبين للأمريكيين أن معظم الحواسيب العملاقة التابعة للجيش الصيني تعمل بأحدث وأكبر شرائح زيون الخاصة بإنتل، فقد كانت الشركات الصينية الخاصة، والتي كان بعضها وهميًّا، تشتري من إنتل الشرائح ومن ثم تبيعها للجيش الصيني.
* نقطة الاختناق الثانية: تنبّه الأمريكيون الى أنه لتجاوز نقطة الاختناق الأولى قد يقرر الصينيون التوجه الى تصميم وتصنيع الشرائح الخاصة بهم (فهم لديهم تقريباً 28 شركة تعمل في تصميم الرقائق الإلكترونية) لذلك قاموا بإدراج بند في اللوائح الجديدة تمنع الشركات التي تملك برامج تصميم الرقائق الإلكترونية من بيع هذه البرامج للصين؛ فصناعة “السوفت وير” المستخدم في تصميم الرقائق الإلكترونية تسيطر عليه أربع شركات أمريكية والتي أصبحت ممنوعة من أن تبيع للصين الـ”سوفت وير” الخاص بتصميم الرقائق والمعروف باسم نظم التصميم الإلكتروني الآلي أو Electronic Design Automation (المعروف اختصاراً باسم EDA)، وبالتالي الشركات الصينية ستمتنع عن استخدام أنظمة الـ EDA أو “السوفت وير” الأمريكي الخاص بالتصميم. وبناءً على لوائح العقوبات الجديدة فإن أي شركة في العالم تصنع للصين تصميمًا لشريحة متطورة باستخدام “سوفت وير” أمريكي سوف تعاقب من خلال منعها من الحصول على آلات تصنيع الرقائق وهذا الأمر ينطبق حتى على برامج التصميم التي اشترتها الشركات الصينية بشكل شرعي قبل لوائح العقوبات الأخيرة.
* نقطة الاختناق الثالثة: تنبّه الأمريكيون إلى خطوة أنه قد يقرر الصينيون قرصنة برامج التصميم الأمريكية، وعوضاً عن التصنيع لدى الشركات الأخرى (التي تخاف من العقوبات) يقومون بالتصنيع بأنفسهم، وهذا الأمر يحتاج الى الآت ومعدات متطورة جداً لصنعها، لذلك استغلوا سيطرتهم على نقطة الاختناق الثالثة في سلسلة توريد أشباه الموصلات وهي سيطرتهم على سوق معدات وآلات تصنيع الرقائق الإلكترونية.
يوجد في العالم خمس شركات تسيطر على سوق آلات تصنيع أشباه الموصلات وهي:
1. شركة  ASML الهولندية
2. Tokyo Electron اليابانية
3. Applied Materials الأمريكية
4. KLA Corp الأمريكية
5. Lam Research Corp الأمريكية
هذه الشركات أصبحت ممنوعة من أن تبيع المعدات والآلات المستخدمة في تصنيع الرقائق الإلكترونية المتطورة للصين، وحتى الشركتان الهولندية واليابانية لا تستطيعان التملص من العقوبات فهما تستخدمان تكنولوجيا أمريكية في تصنيع الآلات والمعدات.
إن القيود التي فرضها الأمريكيون على الشركات التي تصنع الآلات والمعدات التي تدخل في تصنيع أشباه الموصلات تستهدف بشكل أساسي ثلاثة أنواع من الرقائق الإلكترونية:
الشرائح المنطقية أو الـ Logic Chips الـ 16 نانومتر (3): أي شركة تريد بيع الصين آلة تدخل في تصنيعها فلا بد لها من أخد ترخيص مسبق من وزارة التجارة الأمريكية. لكن الصينيين منذ 2019 يقومون بتصنيع شرائح أكثر تطوراً وهي شرائح الـ 14 نانومتر وبالتالي فهم لديهم آلات تصنيعها ولتغطية هذه الثغرة تم منع عقود الصيانة على هذه الآلات وبالتالي فإنه بعد فترة من الوقت سيتوقف هذا الخط من الإنتاج وعندها يصبح لدى الصينيين فقط شرائح الـ 28 نانومتر الموجودة في السوق منذ 2011 وهذا ما يعني تراجعًا تكنولوجيًّا لما يوازي 11 سنة.
الذاكرة العشوائية الديناميكية الـ DRAM الـ 18: يمنع على أي شركة في العالم بيع الصينيين أي جهاز أو آلة تستخدم في تصنيع هذه الرقائق إلا بإذن مسبق.
رقائق الـ NAND Flash: أيضاً كل الشركات ممنوعة من بيع الصين معدات تصنع الـ NAND Flash الـ 128 Layer والأعلى منها.
لكي تتجاوز الصين القيود الأمريكية ليس أمامها إلا أن تقوم بنفسها بتصنيع المعدات والآلات التي تستخدم في تصنيع الرقائق الإلكترونية وهذا يقودنا الى نقطة الاختناق الرابعة.
* نقطة الاختناق الرابعة: منع الأمريكيون بيع الصين أي مكون من المكونات التي تدخل في تصنيع معدات أشباه الموصلات إلا بإذن مسبق منها وبالتالي من المستحيل حرفياً أن أي شركة في العالم تستطيع صنع آلة أشباه موصلات دون استخدام أي تكنولوجيا أو براءات اختراع أمريكية وهذا معناه أنه إذا أرادت الصين تصنيع معدات أشباه الموصلات فلا بد لها من أن تبدأ من مرحلة الأبحاث والدراسات وتراكم التكنولوجيا وبراءات الاختراع الخاصة بها لاستخدامها دون اعتراض الأمريكيين. وبالتالي فإن الأمريكيين يطلبون من الصينيين إعادة إنتاج وكتابة كل الأبحاث وبراءات الاختراع التي قاموا بإنجازها خلال السبعين سنة الماضية في هذا المجال. ولإظهار إصرار الأمريكيين على خنق قطاع التكنولوجيا الصيني بموجب اللوائح الجديدة فإن أي شخص حاصل على جواز سفر أمريكي أو غرين كارد (مقيم بشكل قانوني في الولايات المتحدة الأمريكية) ممنوع من أن يشارك في دعم أو تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية في الصين.
هكذا قام الأمريكيون بحرمان صناعة أشباه الموصلات الصينية من جزء كبير من أفضل العقول التي تعمل في هذا المجال. فست عشرة شركة من شركات أشباه الموصلات في الصين يعمل فيها ما لا يقل عن 43 مسؤولًا تنفيذيًّا كبيرًا من الجنسية الأمريكية. وفي دراسة منفصلة يوجد ما لا يقل عن 200 شخص من حاملي الجواز الأمريكي يعملون في شركات أشباه الموصلات الصينية.
مما تقدم فإن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح للصين بأن تشتري رقائق متقدمة تستخدمها في الذكاء الاصطناعي أو أي تطبيقات عسكرية، ولو حاولت تصميم الرقائق بنفسها فستمنعها واذا حاولت أن تشتري معدات ستمنعها واذا حاولت أن تصنع المعدات فتسحب منها المواهب والخبرات التي تساعدها حالياً في صناعتها. وكرد فعل على هذا الامر في 16 تشرين الأول 2022 قال الرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني أن الصين ستركز بقوة على إجراء البحوث العلمية وسوف تنتصر بحزم في المعركة الدائرة حول عدد من التقنيات الأساسية.
_________________________________________________________________
(1) تُعرف بالإنجليزية (Semiconductor) هي مجموعة من المواد الصلبة البلورية، التي تمتلك قدرة متوسطة على توصيل الكهرباء، وهي تستخدم على نطاق واسع في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية.
(2) هو التحكم في المواد التي تدخل ضمن صناعة معينة
(3) وحدة قياس العمليات الحاسبية وكلمات كانت أصغر كلما كانت الشريحة متطورة أكثر

شاهد أيضاً

توماس فريدمان: هذا هو السؤال الذي ينبغي لبايدن أن يطرحه على نفسهI’m

أسدى الكاتب والمحلل السياسي الأميركي الشهير، توماس فريدمان، النصح لصديقه الرئيس جو بايدن، بأن ينسحب …