موتى على ضفاف البحر الميت

 

نبيه البرجي

موتى على ضفاف البحر الميت
بمرارة قال لي سياسي عراقي «باستطاعتك أن تجمع قايين وهابيل تحت سقف واحد، لكنك لا تستطيع أن تجمع محمد بن سلمان وابراهيم رئيسي على طاولة واحدة» !

أي معنى للكلمات التي ألقيت في القمة. لكأننا الموتى على ضفاف البحر الميت. حقاً، حتى اللحظة لم نعلم، كذئاب تأكل بعضها البعض، كدول مبعثرة (ومحطمة) على أرصفة القرن، ما الغاية من القمة سوى أنها اظهرت اصرارنا على المضي في الصراعات العبثية، وفي السياسات العبثية، بانتظار «لعبة الأمم» تنقضّ علينا، مرة أخرى، بالسكاكين لتقتطع من لحومنا، ومن حياتنا، ما تبقى من… أشياء الحياة .

قمة العراق وبلدان الجوار. العراق والأردن هناك. سوريا، بقرار أميركي ـ وحتماّ بقرار اسرائيلي ـ ليست هناك، لا بل أن بين نجوم القمة من هم على تواصل مع واشنطن ومع تل أبيب للتباحث في مصير سوريا، على أساس أن الانفجار الاجتماعي، الأشد هولاً من الانفجار العسكري، قد يحدث بين ليلة وضحاها. لمصلحة من أن تتحول سوريا الى حطام؟

ما يهزنا : أين مصر التي قالت»الايكونوميست»، في آب 1947، «البلدان العربية تزهو حين تزهو مصر وتذوي حين تذوي مصر». أيها الرئيس عبد الفتاح السيسي أن التاريخ قال «مصر وسوريا توأمان من الأزل والى الأزل».
كثيرون في هذه المنطقة يسألون، من داخل جراحهم، أين صوت مصر الذي كان يزلزل الدنيا، من جبال الأوراس الى ضفاف الكاريبي؟

كل شيء يشي بأن مصر «أم الدنيا»، امنّا، في غيبوبة سياسية، وغيبوبة استراتيجية. لا دور في مقاربة أزمات المنطقة التي بعضها أزمات وجودية، ولها تداعياتها على المسار المستقبلي للشرق الأوسط. ألا يفترض، وهذا منطق الأشياء، أن تكون مصر الضلع الثالث في مثلث القوة الى جانب تركيا وايران؟

استراتيجية الزوايا المقفلة لا تليق بمصر، ولا بأهل مصر، ولا بتاريخ مصر. ذات يوم قال المفكر الرائع جمال حمدان لجمال عبد الناصر «أيها الرئيس ان حصان الظاهر بيبرس ـ الذي دحر هولاكو ـ بانتظارك»…
قمة العراق وبلدان الجوار، باعتبار أن لبنان على أرض الماوماو، أو على أرض الواق واق، لا الدولة العربية التي كانت منارة الشرق، ولؤلؤة الشرق، قبل أن يجرها حطابو هذا الزمان (حطابو البنفسج) الى… جهنم.
ذاك اللبنان الذي بتناقضاته (التناقضات الخلاقة أحياناً) لكأنه امتداد لمسرح اللامعقول. صراخ (أنين ) الناس يدق أبواب السماء، والمهرجانات، والحفلات الساهرة، في ذروتها. أيها اللبنانيون اسمعوا (وعوا) ما يقوله قس بن ساعدة. المسيح صلب من أجلكم وقام من أجلكم. لا أحد يكترث بمئات آلاف الهياكل العظمية التي تتكدس في
غرف الصقيع. أصحاب العيد في مكان آخر، وفي زمان آخر. ما زال جسد المسيح ينزف حتى الآن…
ايمانويل ماكرون كان هناك لأنه «صاحب المبادرة». لا ندري ما هو وزن، وما هو دور، المايسترو الفرنسي في الصراع الأميركي ـ الروسي على قيادة العالم. ألا يحاول أن تحل بلاده، وهي بلاد لويس الرابع عشر ونابليون بونابرت مثلما هي بلاد ديكارت وفولتير وكامو، محل بريطانيا في أن تكون الظل الأميركي في الشرق الأوسط. هو الذي يعلم ألاً ظل لأميركا في منطقتنا سوى… أميركا!
حسين أمير عبد اللهيان غرد بأنه أجرى «حديثاً ودياً» مع فيصل الفرحان. مثل هذا الكلام قيل في نهاية كل جولة من جولات المحادثات الخمس في بغداد. ما النتيجة؟ العودة، وعلى قرع الطبول، الى الدوامة.
لننظر الى ما تقوله الشاشات، وحيث لغة الحرائق. لا مجال للعلاقات الطبيعية بين الرياض وطهران الا بعد أن «ينسحب» الايرانيون من العراق، ومن سوريا، ومن لبنان، ومن اليمن. الرد بخروج أميركا، بالكامل من بلدان الخليج لأنها من يصنع الأزمات، ومن يصنع الصراعات لكأن تلك الصراعات ليست انعكاساً لتواطؤ التاريخ والايديولوجيا، وقد صاحبتنا حتى قبل «اختراع أميركا». حبذا لو نطرق أبواب المستقبل بدل أبواب المقبرة. للقرن يا جماعة القمة، القمة الفولوكلورية، ثقافة أخرى ورؤية أخرى. المهم أنكم عدتم الى دياركم سالمين…

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …