الأميركي يُجبر الروسي على الحرب

  الدكتور عمران زهوي
عند استعراض كيفية وصول بوتين الى سدة الرئاسة بعدما كان الاميركي يتلاعب بالرئيس يلتسن (المخمور دائماً) الذي جعل من روسيا مطية لمن يشاء وموضع سخرية واستضعاف من أميركا وحلف الناتو وأوروبا وغيرهم، وصل بوتين بالاتفاق مع المارد النفطي والغازي روس نفط والغازبروم وغيرهم ومن يسيطر عليهم وهم أهم مكون من مكونات الدولة العميقة، ما ان وصل بوتين عمل على الخروج من الهيمنة الغربية والحصار الاقتصادي غير المعلن، وأخذ على عاتقه قيادة الدولة الروسية الى تحسين الاقتصاد الداخلي ومن ثم التوسع بالنفوذ الروسي في العالم وإرجاع أمجاد الاتحاد السوفياتي ونقلها الى الاتحاد الروسي وإرجاع بقايا الاتحاد السوفياتي. بالمقابل قام حلف الناتو بالتمدد شرقاً بضم التشيك والمجر وبولندا عام 1999 وخلال خمس سنوات فقط اي ما بين (2004 – 2009) انضمت 9 دول من شرق أوروبا، بعضها من الجمهوريات السوفياتية السابقة (بلغاريا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، ألبانيا، كرواتيا)، ثم لحقت بها بعد ذلك كل من الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية. وأصبح إجمالي عدد الدول التي انضمت للحلف بين 1999 و2020 نحو 14 دولة، تشكِّل نحو نصف الدول الأعضاء في الحلف الذي تأسس عام 1949.

ولم يعد متبقياً من الدول العازلة بين روسيا والناتو سوى بيلاروسيا وأوكرانيا، ومن هنا كان لا بد للأميركي ان يدخلهما في حلف الناتو لكي يحاصر الروس داخل اراضيهم. وزادت المخاوف بعد قمة الناتو التي عُقدت في العاصمة الرومانية بوخارست (عام 2008)، فقام بوتين بالهجوم الاستباقي وضم ابخازيا واوسيتيا الجنوبية عام 2008 بمعركة جورجيا، ومن ثم ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، بالمقابل قامت اميركا بما يسمى بالثورات الملونة (البرتقالية في اوكرانيا، وجورجيا، وقرغيزستان)، والاتيان بزيلينسكي والنازيين الجدد الى الحكم، حيث قامت أميركا بدعم أوكرانيا خلال الفترة من 2014 إلى 2021 بنحو 5.6 مليارات دولار تشمل أسلحة ومعدات تدريب للجيش، ودعم مكافحة التهديدات السيبرانية، بالإضافة إلى الدعم الاستخباراتي لمواجهة التهديدات الروسية عبر «مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية» كما أقرَّ حلف الناتو حزمة من المساعدات الشاملة لتعزيز الاستراتيجية الدفاعية والأمنية في أوكرانيا وقامت الولايات المتحدة بتعزيز فكرة الانضمام الى الاتحاد الاوربي وكل ذلك لكبح السيطرة الروسية على المنطقة.
في شباط 2022، اعترف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستقلال جمهوريتين انفصلتا عن أوكرانيا هما «لوغانسك»، و«دونيتسك» مما عزز السيطرة على اجزاء مهمه من اوكرانيا وفتح ممر بري عن طريق خيرسون للقرم والاطباق على بحر ازوف والبحر الاسود بعد الانتهاء من اوديسا مما يعني السيطرة الكاملة البحرية وفصل اوكرانيا ومحاصرتها.
بالاضافة الى عقيدة بوتين العسكرية: هي عدم السماح لحلف شمال الأطلسي «الناتو» بالتواجد على حدوده وتهديد موسكو.

لذلك طلب في «الوثيقة الأمنية» توقيع اتفاقيتين منفصلتين بين موسكو وواشنطن والناتو لوضع نظام ضمانات أمنية من أجل خفض التوترات الأمنية في أوروبا، وتخلي الحلف عن أي نشاط عسكري في جورجيا وأوكرانيا، وعدم انضمامهما للحلف، ووقف نشر أنظمة أسلحة هجومية في الدول المحاذية لروسيا، لكن واشنطن رفضت ذلك. فكان قرار اللجوء للعمل العسكري. فدخل حرب استباقية مخطط لها من قبل كل مكونات الدولة من جيش وتسليح الى الاقتصاديين وعلى رأسهم اهم إمراة الا وهي حاكمة المصرف المركزي الروسي (نابوليينا) والتي تعد الرأس الاقتصادي لروسيا ومن اهم الشخصيات في العالم والتي سبق له ان اخرجته من ازمته عام 2014 فانقلب السحر على الساحر فبعد فرض 5823 عقوبة على روسيا لم يجدِ كل ذلك بإركاع روسيا بل حصل العكس من تداعيات اقتصادية على اوروبا وتحديدا في الطاقة والغاز مما جعل اهم دولة وهي المانيا تعاني ما تعانيه من ازمة طاقة وبدأت المظاهرات في كل اوروبا مما جعل بعض الدول مثل بريطانيا الى صرف مساعدات مالية للعائلات من اجل مساعدتهم في شراء الغاز للتدفئة، وها هي امام المحك، هل تستطيع ان تتجاوز الشتاء ويبقى الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو، ام ان يستفيق الاوربي من التبعية العمياء للاميركي وكما قال (الرئيس ماكرون) مختصراً كل المشهدية السياسية المتبعة من اميركا باتجاههم حيث قال ان صديقنا الاميركي يبيعنا الغاز بأربع اضعاف سعره.

اميركا حاولت ان تفتت روسيا وتحاصرها وقامت بانشاء معامل ومختبرات بيولوجية لاستهداف الداخل الروسي، الا ان السحر انقلب على الساحر واصبح الاقتصاد الروسي اقوى والجميع بالمقلب الاخر منهم من يعاني من تبعيات الاملاءات الاميركية، والاخر لا مفر له من تطبيق ما يريد سيده الاميركي.
فمن يعرف بوتين رئيس الاستخبارات (ال كي.جي.بي) السابق يعلم انه لن يتوقف الى حين تحقيق اهدافه، الا وهي استعادة بقايا الاتحاد السوفياتي وتعزيز نفوذ الاتحاد الروسي عالميا وليقول للعالم انه اصبح قطب من اقطاب العالم. ودخوله نادي شنغهاي يزيد من التقارب والحلف القوي مع الصين والاخرى التي تخشى اميركا… اما بوتين فان تفكيره وهدفه ان تسيطر روسيا بشكل فعال على جزء كبير من أوروبا الشرقية، وتسيطر الصين على جزء كبير من شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ. وسيتعين على الأميركيين وحلفائهم في أوروبا وآسيا أن يقرروا، مرة أخرى، ما إذا كان هذا العالم مقبولا، لأن هذا يعني نهاية النظام العالمي الحالي و«بداية حقبة جديدة ممكن ان تؤدي الى الفوضى والصراع العالميين، حيث تتكيف كل منطقة في العالم بشكل غير مستقر مع التكوين الجديد للقوة ومنظمة شنغهاي هي الاقرب بكل مكوناتها وامكانياتها الاقتصادية (الصين مصنع العالم والقوة العسكرية الروسية مع حلفائها من ايران الى الهند)، يمكنها ان تحكم العالم بطريقة افضل من اميركا.
*كاتب وباحث سياسي

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …