إستراتيجية الرد الإيراني على الحرب المركبة

بقلم مجتبى علي حيدري
باحث في الشأن الإيراني

بعد الاحتجاجات التي شهدتها إيران، نجحت السلطات في إحباط الحرب المركبة الشديدة التعقيد التي فرضتها عليها أكثر من وكالة مخابرات دولية وإقليمية ضمن مخطط تدمير إيران على مدى عدة أشهر.

فقد تمكنت أجهزة الأمن الإيرانية من استدراج وقنص متزعمين ميدانيين بارزين بتقنيات حديثة تراعي أولوية تقليل الخسائر البشرية بتضحيات ضباط وقوات الأمن والشرطة والتعبئة، كما تم إطلاق حوارات توعوية مع النخب الدينية والاجتماعية في المناطق الحدودية، ساهمت في تراجع أعمال الشغب بصورة ممنهجة و بتدبير يستند إلى القوة الرمزية والذكاء والأساليب الناعمة البعيدة عن القمع.

ولا مناص لنا من أن نشير هنا إلى فشل السلطات في تعاملها مع الفضاء السيبراني والتجييش الإعلامي ضدها الذي اضطرها إلى إغلاق بعض منصات التواصل الاجتماعي. ولابد لطهران أن تواجه هذه الحرب الهجينة بحرب من نوعها لوأد جميع أهدافها المنشودة حيث تعاملت على الصعيد الداخلي مع مصادر التهديد من خلال تحصين الأوضاع الأمنية الداخلية قبل انتهاء فترة مسابقات كأس العالم التي كشفت خلالها عن جيل جديد وحديث من الصواريخ البالستية حملت إسم “قائم 100” وصواريخ فرط صوتية باسم “هايبر سونيك”، إذ تعد هذه الخطوة رسالة واضحة لمن يهمه الأمر حققت نقلة نوعية كبيرة في قدرة الردع الصاروخية الإيرانية عبر إدخال تقنية استعمال الوقود الصلب والمسال معاً، ما يعني زيادة مدى الصواريخ وسرعتها المصحوبة بالدقة والكفاءة العالية.

وأما على صعيد التهديد الخارجي، فلاشك أن طهران ستتخذ خطوات مصيرية في سبيل دعم حلفائها في المنطقة بما يتناسب مع مستوى الحرب الهجينة الجيوستراتيجية التي تستهدف كيانها وعمقها الإستراتيجي. وهذا يتطلب مد هؤلاء الحلفاء في المنطقة بأحدث الأجهزة والمعدات العسكرية لرفع قدرة الردع الإستراتيجي وتوسيع محور المقاومة وجعل شوكته أكثر صلابة، لاسيما في حال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في إسرائيل ما يعني مضاعفة استهداف مواقع المقاومة في سورية وتفعيل ساحات الاشتباك بين محور المقاومين والإسرائيليين أمنيا واستخباراتيا.

وبهذا يمكن فهم دور إيران الإيحابي في عقد المصالحة بين قادة حركة حماس والنظام السوري مؤخرا ما سيفتح الباب على مصراعيه أمام تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين فصائل المقاومة و ترسيخ دور سورية المحوري، كما سيكون له تأثير مباشر على خارطة الصراع في شمال الأراضي السورية لما لحركة حماس من علاقات عقائدية وتنظيمية واسعة مع العديد من قيادات الفصائل السورية المسلحة المعارضة ذات التوجه الإخواني في مناطق إدلب وحلب وشرق سورية، إذ لاجَرَمَ أنه سيعبد الطريق لعودة عملية المصالحات الداخلية بين النظام السوري وفصائل المعارضة .

أما بالنسبة إلى السعودية فإن تهديدات الحرس الثوري باتت تؤتي أكلها حيث بعثت الرياض رسائل عدة إلى طهران مفادها أن أحد أهداف الاحتجاجات الأخيرة هي نسف مسار التقارب بين طهران والرياض الذي شارف على الوصول إلى خواتيم مهمة لا تروق للأطراف الغربية. إن هذه القناعة والإدراك المشتركين لدى البلدين قد يساهمان في استئناف جولات الحوار بين الطرفين قريباً، لكن طهران تتطلع لترجمة عملية على أرض الواقع لمواقف العربية السعودية التي تنفي من جهة أي دور لها في الأحداث الأخيرة في إيران، ومن جهة أخرى يعطي وزير الدولة للشؤون الخارجية دروساً عن حقوق الإنسان أمام لجنة السياسة والأمن في الإتحاد الأوروبي منتقداً السلطات الإيرانية بقمع المتظاهرين وإنتهاك أبسط حقوق الإنسان.

ولايزال موضوع وقف الدعم السعودي لقناة اينترنشنال والمعارضة والانفصاليين بشكل عام، مطلب إيران الملح رغم تاكيد السعوديين عدم دعمهم لهؤلاء، فطهران تقول إن لديها وثائق كثيرة تبين أن الداعم هي جهات متنفذة وقريبة من الأسرة الحاكمة تمول وتوجه وتدير صحيفة الشرق الأوسط، وقد وعدت السعودية بوضع حد لهذه الجهات المتفردة بقراراتها.

أما مبعوث الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا الذي زار العواصم الخليجية مؤخرا، فقد سمع مواقف موحدة من المسؤولين الخليجيين في حرصهم على أولوية مواصلة الحوار مع إيران لتفادي التصعيد في المنطقة، و ضرورة استئناف المفاوضات النووية مع إيران باعتبارها القناة الوحيدة للتواصل مع النظام الإيراني، كما أن العراق سيقوم بدور وساطة جديد لاستئناف جولة مفاوضات جديدة بين طهران والرياض تتسم بالشفافية والصراحة في ظل وجود نظرة عقلائية لدى الطبقة الحاكمة في الرياض تجاه الاحتجاجات الأخيرة، وقد أكد مصدر مقرب من الحكومة العراقية أن بغداد ستقترح أن تكون حلحلة المشاكل أولاً في لبنان بعيدا عن اليمن وأن يساعد الطرفان على حلحلة الأزمة اللبنانية ليتسنى لهما بعد ذلك الخوض في ملفات إقليمية أخرى.

وإذا ما أردنا أن نختزل الحديث في جملة يمكننا القول إن إيران تعمل على تحصين الداخل وتعزيز محور المقاومة وتوسيعه وتطوير علاقاتها مع الحلفاء.

 

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …