تشكيل الحكومة بين “التيسير” و”التعتير” يتخبّط الأزمة ليست برئيس جمهوريّة بل بنظام سياسي مُركّب على الطائفيّة

كمال ذبيان

يبدو ان ولادة الحكومة الجديدة ما بعد الانتخابات النيابية ميسرة حتى الآن، اذ مضى على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي نحو خمسة اشهر لتشكيلها ولم يوفق، بل كل ما اقدم عليه هو تقديم صيغة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعوّم الحكومة المستقيلة، مستثنياً منها وزراء، فبدأ بالوزيرين وليد فياض وامين سلام، فلم يوافق عليها الرئيس عون، فابقى ميقاتي فياض، وادخل اسم الوزير عصام شرف الدين مكانه، لكنه جوبه برفض آخر من رئيس الجمهورية، الذي كان يطالب بحكومة من ثلاثين وزيراً، ستة منهم يمثلون قوى سياسية، لحصول توازن في الحكومة اذا تولت صلاحيات رئيس الجمهورية وحصل الشغور الرئاسي بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، اذ اعتبر “التيار الوطني الحر” ان لا مكان لحكومة تصرّف اعمالا بعد استقالتها، ان تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، واكد رئيسه جبران باسيل، ان من شأن ذلك وان حصل، ان يخلق فوضى دستورية وسياسية، مهدداً باللجوء الى الشارع.

فالجدال القائم حول تشكيل الحكومة، بشروط وشروط مضادة، حولّ الصراع السياسي الى طائفي، عندما طرح باسيل وبدعم من الرئيس عون، بان صلاحيات رئاسة الجمهورية تعطى لحكومة كاملة الاوصاف، وفيها توازن سياسي وطائفي، ولا تنتقص من صلاحيات رئيس الجمهورية، والتي يصبح كل وزير فيها حاملا لها، ويمكنه ان يستخدم “الفيتو”، فردت دار الفتوى على عدم المس بصلاحيات رئيس الحكومة الذي يعطيه الدستور وحده تسمية الوزراء، ويشاركه رئيس الجمهورية بالتوقيع اذا وافق على الصيغة المقترحة، لكن قام مَن يتهم الرئيس عون وتياره السياسي “بالانقلاب على الطائف” والعودة الى دستور ما قبله، لجهة ان توقيع المراسيم على الحكومة، لا يمر دون ان يكون لرئيس الجمهورية الدور الاساسي في ولادتها، وفرض المشاركة بتشكيل الحكومة.

والقول ان رئيس الجمهورية بالصلاحيات المعطاة له في الدستور، فانه سيمارس الدور الذي كان له قبل الطائف، وفق ما تشير مصادر سياسية، والتي تذكر بمواقف للرئيس عون من اتفاق الطائف ومعارضته له، بالرغم زيارة باسيل دار الفتوى وتأكيده للمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، تمسكه باتفاق الطائف، لكنه اشار الى ثغر فيه يجب ان تناقش.

الى اين وصل الخلاف حول تشكيل الحكومة، حيث تتبدل الصيغ، وتظهر شروط جديدة؟ تجيب المصادر: لم يحصل اي تطور ايجابي بعد، بالرغم من ان بعض الوسطاء حاولوا تقريب وجهات النظر، وتحديداً المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، حيث كانت اجواء من التفاؤل، تواكب الاتصالات والوساطات لكنها ما تلبث ان تتعرقل او تتجمد، لان اطراف النزاع على الحكومة، وعندما يبدأ البحث في التفاصيل، يتجدد الخلاف، كما تظهر اقتراحات جديدة، اذ بدأ التغيير في الاسماء يتوسع، وبات نصف عدد الحكومة الحالية مطروحا للتغيير، ولم يعد يقتصر على اسمين او ثلاثة.

كما اقترح الرئيس المكلف، الذي يؤكد للوسطاء، ان المسألة ليست الحكومة، بل انتخاب رئيس للجمهورية، اذ ان المهلة الدستورية التي تفصلنا عن نهاية ولاية رئيس الجمهورية باتت ايامها معدودة، وان الحكومة سواء كانت مستقيلة او جديدة ستطبق الدستور، وتمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، وان العمل الدستوري السليم هو انتخاب رئيس للجمهورية، وبعده تكليف رئيس للحكومة وتشكيلها وفق معطيات الواقع الذي يعيشه لبنان من ازمات مالية واقتصادية واجتماعية، والطلب من الحكومة تحقيق اصلاحات، وهو مطلب دولي – اقليمي مقرون بآخر لبناني يعود الى منتصف تسعينات القرن الماضي، بعدما برز ان لبنان يتجه الى الانهيار، منذ انعقاد مؤتمر “اصدقاء لبنان” في واشنطن، الى مؤتمرات “سيدر” الاول والثاني والثالث والرابع، ولم تبدأ الاصلاحات في كل العهود الرئاسية والحكومات المتعاقبة.

فانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة واجراء انتخابات نيابية، كلها استحقاقات تدخل في انتظام عمل المؤسسات الدستورية، ولكنها لا تنهي الازمة التي تتعمق داخل النظام السياسي المركب على صيغة طائفية، التي لم تولد للبنان الا الحروب والفتن والازمات، فالازمة ليست برئيس جمهورية بل بنظام سياسي.

شاهد أيضاً

الانتخابات في أوروبا والانقلابات الكبرى إلى أين؟

ناصر قنديل لا يبدو الحديث عن الموجة اليمنية الكاسحة في أوروبا دقيقاً، عندما نعاين نقطة …