هل تعاني روسيا من اعراض الانكسار والهزيمة…؟؟

الا يجدر بالخبراء تعريف الجاري بالحرب الشاملة؟؟ وهل تقرر نتائجها عمليات تكتيكية وارهابية؟؟

ميخائيل عوض
بدت على القوات الروسية في العملية العسكرية في أوكرانيا مظاهر ترهل وتقادم التدريبات والمعدات، والهيكليات، وتعاني من ثغرات وعدم قدرة على احكام دفاعاتها وخطوط الجبهات مما وفر للقوات الاوكرانية التي دربت على يد الناتو وزودت بأحدث الاسلحة ويقودها خبراء أمريكيين ومن نخبة الاطلسي ويديرون العمليات ميدانيا، ويؤمنون الاستطلاع والتجسس، فتتوفر الفرص والظروف لتحقيق مكاسب على الارض.
العمليات التكتيكية رافقتها وقدمت لها حملات اعلامية وترويجية هائلة الكلفة والخبرات والمستويات  مسنودة بتخلف وعجز الاعلام الروسي عن المواجهة والسبق، ما يصور القوات الروسية بالعاجزة والمنكسرة، والقابلة للهزيمة السريعة، كما نجحت الاجهزة الاوكرانية وحلفائها باغتيال بنت الكسندر دوغين في تفجير استهدف سيارتها في موسكو وجاء تفجير سيارة على جسر القرم ليعزز الحملة الاعلامية، فعززت تشكيك الراي العام خاصة الواقع تحت تأثيرها بقدرات روسيا العسكرية وبخبراتها واسلحتها وتكثر الآراء والتسريبات التي تتحدث عن قرب هزيمة تاريخية لروسيا وانكسارها وربما انقلاب او تمردات واسعة ضد بوتين لمعاقبته على المغامرة غير المحسوبة التي ساق روسيا اليها واقلق العالم من احتمال حرب نووية تكتيكية او تدميريه تعيد البشرية الى العصر الحجري بحسب رأي تلك الجهات.
اين تقع الحقيقة؟ وكيف تسير الامور؟ ولمن سيكتب النصر في واحدة من اعنف جولات الحرب العالمية العظمى الجارية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في اقليم العرب والمسلمين وقد انتقلت الى ساحة حرجة في اوكرانيا وبقلب اوروبا وتحولت من الحرب العسكرية بفروعها المختلفة الى مستوى الحرب الشاملة.
للتعرف الى احتمالات مسارات الحرب ومن ينتصر ومن يهزم لابد من التذكير بقواعد ومناهج تعريف الحرب والمنتصر والمهزوم واستعراض المؤشرات والوقائع وتصنيفها.
فالحرب الشاملة؛ هي الحرب التي تشمل كل نطاقات ومجالات القوة وقدرات الامة والدولة وتمتد جغرافيا الى مختلف القارات والجغرافيا، وتستخدم فيها كل الوسائل والوسائط المتوفرة ويجاوز فيها المحاربون القواعد والقوانين الجارية.
الحرب بين روسيا والاطلسي في مسرح اوكرانيا هي في تصنيفها ومساراتها ومستوياتها حرب شاملة: فهي حرب عسكرية وامنية وسيبرانية وسرية واعلامية وثقافية واقتصادية ومالية وليس من مجال او مستوى لا تجري فيها وبأشد ما يكون من قوة وعصف.
الاشتباك المسلح مسرحه الاوكراني وجبهته الف كيلو متر، وتجري معارك وحروب باردة وسرية واشتباكات وتوترات في مسارح واسعة اخرى في الشرق وافريقيا واسيا وامريكا الجنوبية.
والحرب السرية والسيبرانية على امتداد الشبكات والمساحات ولا هوادة فيها، اما الحرب الاقتصادية فقد بلغت اقصى ما يمكن وتشمل كل مناحي الحياة وفروع الاقتصاد والمال ووصلت  الجرأة فيها والخروج عن تقاليد وضوابط الحروب على نسف انابيب الغاز وتعطيل خط ستريم ٢ وهذه غير مسبوقة في الحروب ما يفتح سياقا يجيز الرد واستهداف الكابلات والاتصالات والاقمار الصناعية والشبكات ووسائط التواصل والجيو -+ تواصلية واقفال الممرات والمضائق اضافة لاستهداف البنى التحية وقطاعات الانتاج وهكذا.
بوتين يعرف واعلن ان روسيا في حرب شاملة، واعلن ما يريد وقال؛  في مناسبة ضم المقاطعات الاوكرانية ان للحرب هدف ونتيجة تتجسد في توليد عالم جديد غير عالم الانكلو – ساكسون وليس فقط توليد نظام عالمي جديد. واكد ان احداثا ثورية تجري، ووصف حربه بالمقدسة دفاعا عن قيم الانسانية في وجه الاستعمار والليبرالية التدميرية، وفي مواجهة عالم ينهار وقد شاخ وعبث بالحياة البشرية والقيم والاديان واتهم عالم الانكلو -ساكسون بالابادات وتدمير القيم والاديان والاخلاق، وغالب الظن ان الاطلسي يعرف ما هو جار، ويخوضها كحرب شاملة وليست فقط حرب عسكرية بل هي حرب حياة او موت فإما روسيا وعالمها الاوراسي او امريكا والاطلسي والعالم الانكلو- ساكسوني.
ثم يتقرر الرابح والخاسر في الحرب استنادا الى تحقيق او عدم تحقيق الاهداف المعلنة.
فلا تقاس الحروب ونتائجها بمدتها وكلفتها ومسارحها وعملياتها ونتائج معاركها التكتيكية والمغطاة بحملات ترويج وتضليل اعلامي، لهذا قيل: ان الحرب جولات لك وعليك.
والحرب تتقرر بنتائجها ويتثبت المنتصر والمهزوم فيها، عندما تضع اوزارها ولا يجوز الحكم عليها وتقرير نتائجها بناء على مجريات معارك جزئية وتكتيكية – عملياتيه.
ولا تقرر نتائج الحرب الشاملة والعالمية العظمى لتوليد العالم الجديد بقياس نجاح عملية في الحرب السرية كاغتيال دوغين او تفجير سيارة على جسر القرم. وهذه اعمال تتقنها العصابات والمافيات واصيلة في حروب العصابات والمقاومات وشركات الامن والمرتزقة وقد وقعت وتقع في كل مكان وزمان وتستهدف دول عظمى ولا تؤدي لانهيارها واو خسارتها للحرب، واقرب الامثلة في احداث ١١ ايلول ٢٠٠١ في امربكا نفسها وهي تتربع على عرش ادارة العالم متفردة وبلطجية.
اما حسم الحروب في الاعلام وحملات التضليل والاشاعة فقد اختبرت في سورية ومع المقاومة ومع ايران وثبت انها في العالم الافتراضي بينما العالم الواقعي مختلف جوهريا.
في المعطيات المادية ومؤشرات النصر والهزيمة يمكن للعقلاء التثبت من المعطيات والواقع على النحو الاتي؛
١- حققت روسيا من عمليتها العسكرية في اوكرانيا جل اهدافها المعلنة؛ تدمير البنية العسكرية – انتزاع المقاطعات الاربع – منع اوكرانيا من دخول الناتو، وتحويلها الى دولة فاشلة وعبء على الاطلسي ومحايدة غير مسلحة. وفي التدقيق الواقعي في المعطيات يمكن الجزم ان نسبة عالية من الاهداف تحقق.
فماذا يعني ان الأوكرانيون ومعهم الاطلسي بكل ثقله ينجحون بخرق واستعادة ٣٠٠٠كلمتر من ١٠٦٠٠٠ كيلو استولت عليها روسيا؟؟ والحرب سجال ومازالت اوارها مشتعلة وربما في الربع الساعة الاولى لها؟؟!!.
٢- في الحرب المالية والاقتصادي الشاملة مالت الكفة بقوة لصالح روسيا باعتراف قادة وخبراء الاطلسي وفي معطيات الواقع واحداثه المعاشة وقائع ثابته؛ فوضع الدولار واليورو بمقابل الروبل شاهد ناطق وازمات اوروبا التموينية والاقتصادية واضحة الادلة بما في ذلك التضخم والركود المفرطين في الاقتصاد الاطلسي الليبرالي، بينما روسيا والصين وايران ومحورهم المتنامي والمتصاعد في افضل الاحوال والارقام دالة. والاهم ما كسبته روسيا في اوبك+ وهذه تحسب من التحولات الفرط استراتيجية فهل كان احد يتوقع ان تنقلب السعودية والامارات على امريكا وترفض إملاءاتها بل تتضامن مع روسيا بتعطيش السوق وفي عز الطلب والحاجة الامريكية والأوروبية وعشية الانتخابات النصفية ودخول اوروبا فصل الصقيع بلا محروقات…؟
٣-في مؤشرات القوة والنفوذ العالمي، تقدم الوقائع والمعطيات صورة واضحة عن التحولات الاستراتيجية فأمريكا بعد ١١ ايلول ٢٠٠١ كانت تفرض مشيئتها وقوانينها وقراراتها ويستجيب لها اكثر من ١٨٨ دولة وفي حربها على سورية وايران حشدت ١٣٨ دولة اما مع روسيا فلم تستطيع جمع ٣٠ دولة تلتزم قراراتها وفرض الحصار وقد خرج من تخت نفوذها كبار وعمالقة كالهند والصين ودول الخليج ومصر والجزائر ودول اسيوية وتفقد سيطرتها في امريكا الجنوبية وافريقيا لصالح روسيا وحلفائها والمعادين لأمريكا وحسم الانتخابات البرازيلية لصالح لولا سيشكل ضربة كاسرة في الحديقة الخلفية للبيت الابيض بعد صمود فنزويلا وكسب اليسار لبلدان عديدة وخسارة امريكا لحروبها وخططها هناك.
٤-في الحرب المالية تتعاظم المؤشرات والادلة على تحولات عالمية ستكون صادمة ونوعية، فاستبدل اكثر من نصف العالم الدولار ونظام السويقت الأطلسي بالعملات الوطنية والتبادلات البضاعية وبمنظومة مير الروسية ومنظومة الصين وتتحفز السعودية لضربة كاسرة للدولار بتسعير النفط باليوان والروبل والعملات الوطنية، كما خرجت الهند من هيمنة الدولار وتتبادل بالروبية الهندية مع روسيا والصين ومنظمة شنغهاي.
٥-في حرب الغاز والنفط والحصارات انقلب السحر على الساحر، فأمنت روسيا بدائل بينما اوروبا تعاني وتدفع لأمريكا اربعة اضعاف سعر الروسي وامريكا تفقد مخزونها الاستراتيجي وتعاني من ارتفاع اسعار المشتقات والكهرباء ومدخلات الانتاج وتتعطل سلاسل التوريد وتتوقف مصانع امريكية واوروبية عن العمل.
٦-في الحرب السيبرانية تفوق روسيا وحلفائها مشهود.
٦-في الحرب السرية والاغتيالات واستهداف البنى التحتية والحيوية بالتفجيرات لم تبدا روسيا ومحورها بتفعيل قدراتها  وعندما تبدا سنرى العجائب وربما تحاول روسيا بذكاء مفرط استبدال الحرب الارهابية – السرية بحرب اجتماعية كاسرة بتنشيط والتحالف وتخليق الظروف المناسبة لصعود القوى المعادية لأمريكا في اوروبا والعالم ” ايطاليا نموذجا-الاضطرابات والتظاهرات في فرنسا وألمانيا” وتعمل روسيا وحلفها لهز استقرار واشغال امريكا نفسها في بنيتها وازماتها مع الانتخابات النصفية بينما امريكا وحلفها تحل التخمينات والرهانات في العالم الافتراضي مكان الوقع وتشيع عن توترات واحتمالات تفلت وانقلاب في روسيا لا اثر ولا اساس له.
٧-في الحرب الثقافية والقيمية تبدو الغلبة لروسيا بسطوع وقوة. فبينما تتحول امريكا الى عدوة الشعوب والمتسبب بكوارث اوروبا الاجتماعية تقدم روسيا نفسها المنقذ من امريكا والنازية والمثلية الجنسية وهكذا دواليك.
ففي الواقع المعاش يتقدم السؤال؛ ماذا وأين حققت امريكا مكاسب منذ اندلاع حرب اوكرانيا؟؟؟
وفي سياق اخر لفهم الجاري وتقدير التطورات والاجابة على سؤال هل تهزم روسبا ومن ينتصر؟
يمكن تفعيل قواعد التحليل العلمي والمنهجي في سبر اغوار وسيناريوهات المستقبل والقاعدة تقول؛ لتعرف ما سيكون خلال عقد او عقدين في المستقبل عليك ان تدرس ما جرى في ذات المدة الموازية من الماضي والمطلوب دراستها فمنذ صعود بوتن وهو يحقق الانتصارات ولم يهزم في واحدة من المعارك بينما امريكا منذ عقدين ونصف وحلفها يهزمون في كل المعارك والحرب وفي التالي امثله؛
١٩٩٨ وصل بوتين الى رئاسة الوزراء فحزم الامر وانهى الحرب الشيشانية واسقط غروزني وانتج ظاهرة قاديروف والقوة الشيشانية بيده.
عندما تحرشت جورجيا حسم امر روسيا ودمر بنيتها وامن الحماية للمقاطعات الروسية وللناطقين بالروسية
٢٠١٤ عندما انقلبت اوكرانيا ضد روسيا حسم بضم القرم وبدأ الاستعداد للعملية الخاصة في اوكرانيا ووفر لها كل المستلزمات.
ورد في سورية ٣٠ ايلول ٢٠١٥ بعاصفة السوخوي وغير اتجاهات الريح والاحداث واسهم في اسقاط المشروع الامريكي الاطلسي وتحول بروسيا من المنصة السورية الى القوة العالمية المقررة.
وعندما جرت محاولات اخذه في قره باخ ضرب يده على الطاولة وحسم الامر.
عندما تعرضت بلاروسيا لثورة بيضاء وملونة حسم الامر لحليفه لوكاشينكو.
وعندما جرت محاولات هز السيطرة في كازاخستان كانت قواته الخاصة والمحمولة جاهزة وحسمت الامر بساعات…
ماذا عن امريكا في العراق وسورية واليمن وهزيمتها المذلة في افغانستان وخسارتها معركة فنزويلا وكولومبيا، وبوليفيا والجاري في البرازيل، وانحسار نفوذها في امريكا اللاتينية وماذا عن نتائج الخطط والثورات الملونة  الامريكية في لبنان والعراق…
الحق ان امريكا والاطلسي لم ينتصران في اي حرب او جولة بينما تاريخ صعود بوتين محمولا على الانتصارات…
ماذا بعد؟؟
هل يصدق عاقل وصاحب عقل ان روسيا ستهزم امام مرتزقة وشركات امن خاصة تقودهم امريكا والاطلسي في اوكرانيا المدمرة والتي تعيش زمن انهيارها وربما زوالها كدولة عن الخريطة؟؟
اليوم بدأت الحرب على اوكرانيا وكشر الاسد عن انيابه وغالب التقدير ان الحملة لن تتوقف قبل اعادة اوكرانيا الى القرن الثامن عشر وربما دفعها للاستسلام واو طلب وقف الحرب وتامين مطالب بوتين…
إذا رايـــت نيوب الليــث بارزة  فلا تظنـــن ان الليــث يبتســم
العقل زينه…

بيروت؛ ١٠-١٠-٢٠٢٢

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …