عقد الترسيم، والتفاوض عبر وسيط اسرائيلي امريكي تكشف الحقائق

ميخائيل عوض

الرد الاسرائيلي على الورقة اللبنانية، يعيد الوضع الامني والعسكري الى السخونة ويعزز دور المقاومة بالقدر الذي يحرجها. فالأسابيع الثلاثة لإنذار السيد حسن نصرالله مرت بلا نتائج ملموسة. فعلى عادتها امريكا وإسرائيل تتعامل مع المفاوضات انها ساحة حرب وتديرها في صالح اسرائيل وعلى توقيتها، وبما يوفر لها حاجاتها. فسنوات طويلة من التفاوض تولاها رئيس مجلس النواب امنت لإسرائيل الاستكشاف والحفر وتحضير حقل كاريش المتنازع عليه للعمل فور اتخاذ القرار ولبنان مازال يأمل بان يكون مربع  قانا حقلا قابلا للاستثمار. ومع تسمية هوكشتين وسيطا وانتقال التفاوض من الناقورة الى الاتصالات الهاتفية وزيارات الوسيط على وقت فراغه، ضاعت اسابيع وايام، وعندما الزمت المقاومة المفاوض اللبناني بالحد الادنى من الحقوق، والزمته بالتوقيت، تغيرت المناورة الاسرائيلية الامريكية بالتفاوض من اجتماعات وتواصل عبر الواتس اب الى ارسال وريقة رؤية امريكية” لا وديعة بخط لابيد” مع السفيرة الامريكية تعرض الوريقة افكارا امريكية للحل، وليس اتفاقا ناجزا للتوقيع، ولا نص قبلت اسرائيل مسبقا الالتزام به، فورقة ومقترحات الوسيط  تحتاج الى اخذ ورد ووقت وظروف لتتحول الى اتفاق ناجز. والوقت لصالح اسرائيل واستحقاقاتها وامريكا وحروبها وانتخاباتها.
جاء رد الكابينيت ولابيد على الملاحظات اللبنانية رفضا، مشفوعا بإعلان الاستنفار والاستعداد لعمل عسكري ان فرض.
وعادت دائرة التفاوض الى مقولة ان اسرائيل في انتخابات وقد لا تستطيع حكومة لابيد توقيع الاتفاق تحت ضغط نتنياهو واليمين والاليات الدستورية، وقد قبلت المحكمة العليا لتماسا لاحد المدعين بضرورة عرض الاتفاق على استفتاء عام ” وفي حالة إسرائيل وانقساماتها ويمينيتها امر مستحيل”.
ونتنياهو الاوفر حظا لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات على قيم وشخصية ترامب، وقد اعلن انه سيمزق اي اتفاق تعقده حكومة لابيد مع لبنان، والوسيط الامريكي يحبذ فرض الضغوط والطلبات من لبنان  ومنها الاستمهال حتى اتمام الانتخابات الإسرائيلية واتمام الاجراءات القانونية.
اما في لبنان فالصمت والحيرة والوجوم وتمنيات المفاوضين واشاعة الاجواء الايجابية لا غير. والمقاومة لم تعلق، ربما بانتظار كلمة الفصل للسيد نصرالله الثلاثاء.
فالعبث الاسرائيلي والتلكؤ الامريكي يضع الامور بين خيارين  اما تراجع لبنان والمقاومة لتامين اسرائيل او الحرب ومن غير المستبعد بل الارجح ان الهدف والخطة الامريكية تتجسد في المماطلة ولن تخلوا جعبة الوسيط من ذرائع لإطالة التفاوض وبين رهاناته عجز الدولة اللبنانية وتباينات اركانها واحتمالات الانهيار مع تسارع زمن الفراغات.
على كل الاحوال؛ فالمسار الجاري للتفاوض يوفر اساسا لحسم امور وقضايا كانت لزمن عالقة ومنها:
١-الترسيم والتفاوض سيكشفان احجية قديمة تجيب على سؤال من يحكم من؟ ومن يعمل عند من؟ هل اسرائيل كلب صيد امريكي كما وصفتها يدعوت احرنوت في حرب تموز؟ او ان امريكا محكومة من اللوبيات الصهيونية وتعمل في خدمة واوامر اسرائيل؟
بيت القصيد ان امريكا لا ترغب بحرب وتوترات في شرق المتوسط وفي مسالة النفط والغاز تحديدا وبعد قرار اوبك+ خفض الانتاج وتوتر وسعار ادارة بايدن من السعودية والامير محمد بن سلمان  في زمن انتخابات نصفية كاسرة، فان الزمت امريكا اسرائيل وفرضت على لابيد التوقيع والقبول بالمطالب اللبنانية سيعني ان اسرائيل تعمل لصالح امريكا اما ولا فهذا يعني اما امريكا باتت عاجزة عن فرض ارادتها حتى على اسرائيل بعد ان اخفقت في فرضها على السعودية والامارات  او ان اللوبيات مازالت حاكمة وتقدم مصلحة إسرائيل على مصالح امريكا وحروبها وحلفائها.
٢- ستكشف الايام القريبة القادمة وتجيب على سؤال؛ هل المقاومة كانت تناور وتستعرض قوتها وتستثمر بالتفاوض وليس لديها القرار ولا الرغبة وتاليا لا القدرة على وضع تهديداتها موضع التنفيذ. وهذه ستشكل اكبر اساءة للمقاومة ومصداقيتها وجدوى ووظيفة سلاحها، وتضع نقطة في نهاية الرواية، تنهي حقبتها وقد احتفلت بأربعينية حزب الله، او ستكشف الايام ومالات التفاوض عن قدرات عبقرية عند المقاومة كما في الميادين والحروب العسكرية ومعاركها كذلك في الدبلوماسية وحرب كسب القلوب والعقول، وتتجسد عمليا في احتمال ان قرار المقاومة التزام ما تقرره الدولة” وهي خير العارفين بان لبنان بات بلا دولة والسلطة مجرد تجمع دويلات وزعامات مفلسة ومازومة” هو من الفطنة والذكاء لإلزام هياكل الدولة الباقية وشخوصها بحد ادنى “ولو فيه تفريط بحقوق ثابته”  لا تقبله إسرائيل. وامريكا لن تساند لبنان لتحصيل حقوقه المنقوصة وتاليا تصبح المقاومة في حل من التزامها وعلى مسؤولية امريكا وإسرائيل وشخوص الدولة ومفاوضيها، وبهذا تكسب المقاومة مصداقية وعطف وقلوب وعقول اللبنانيين ويتثبت الجميع بانها وضعت نفسها وسلاحها  بأمرة الدولة  والدولة عاجزة والوسيط متامر وإسرائيل غير جادة او هي مأزومة وغير قادرة على حسم الامر او على عاداتها كاذبة ومناورة وتعمل لتقطيع الوقت وفرض اجندتها الزمنية والمصلحية.
الحق يقال ان هذا احتمال يفك احجية، ويسقط كل التهم عن المقاومة ويؤكد طبائعها ومهامها   وتضحياتها اذا كان الجواب العملي بان المقاومة اعتمدت بذكاء نوعي تكتيكات ابداعية في حرب الدبلوماسية وكسب العقول والقلوب، واداتها بحيث يكون المعطل الاسرائيلي والامريكي ما يشرع للمقاومة استخدام كل الوسائل لاستعادة الحقوق والسيادة وتحرير القرار الوطني الحر فستكون نتائج تكتيكاتها باهرة لجهة تعزيز  مكانة المقاومة واهميتها والحاجة اليها وبذلك تتفوق في التفاوض وفي الدبلوماسية وتأهيل مسارح الحروب لصالحها.
وهذا ليس بغريب  ويشهد لإيران وسورية  بانهما اساتذة في التفاوض وللمقاومة ان  تضيف وتزيد الى تجربتها والتجربتين.
ويطرح السؤال؛ هل تمرر المقاومة مقايضة منح اسرائيل الوقت للانتخابات، برغم ان نتائجها لن تحل المشكلة بل ستزيدها تعقيدا، بمقابل انتزاع قرار بتيسير الانتخابات الرئاسية اللبنانية فتحقق المقاومة جملة مكاسب في ان تضيفها الى رصيدها، وتحل الغاز احجية الفراغ الحكومي والرئاسي والبلاد  في حالة انهيار ولا سلطة او دولة فاعلة لإنجاز الترسيم وتوقيع عقوده والشروع بالاكتشاف والاستثمار بالثروات للإحاطة بالأزمة ومنع الانهيار…. ؟؟
احتمال لا يجب استبعاده بل يبدو صاحب حظوظ وافرة ولتبقى العين على المجلس النيابي والدعوة لجلسات انتخاب الرئيس فقد يسلم الرئيس عون القصر لخليفته لا للفراغ والمجهول.
فالسفيرة شيا وقد تحولت الى بوسطجي بين المفاوض اللبناني وهوكشتين تستطيع توفير نصاب لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية على افتراض ان الوزير باسيل وكامل كتلته امتنع  وبذلك تعبد طريق فرنجية إلى  قصر بعبدا .

بيروت: ٨-١٠-٢٠٢٢

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …