انفصال الحالة المارونية عن الحالة الشيعية بعد ألف سنة من الشراكة

بقلم ناجي أمهز

بعد أن كانت المارونية السياسية تستنجد بالشيعية لمنع السنية السياسية من إقرار اتفاق الطائف وسلب الصلاحيات من رئيس الجمهورية الماروني، وبعد ثلاثين سنة، تقوم المارونية السياسية وتستنجد بالسنية السياسية والدينية لمنع أي تعديل على اتفاق الطائف، يقال بأن الشيعة يسعون إليه.

هذه المقدمة فقط لإظهار حجم التناقض ومسافة الافتراق بين الشيعة والموارنة، بعيدا عما يتناقله زوار الكنيسة والحسينية، كونه في الختام أصحاب القرار لا يلتقيان وكل ما يجري هو فلكلورا لم يعد ينفع أو يبلسم جرحا ويطيب خاطر.

وما حصل على طريق عنايا مار شربل أثناء توزيع المياه على المتجهين إلى دير مار شربل، هو إشارة واضحة إلى حجم الاحتقان الذي وصل إليه الشيعة والموارنة، وخاصة أن هذا التصادم وإن كان محدودا والذي عالجت ذيوله الكنيسة، أظهر عجز السياسيين الموارنة الذين لم يتجرأ أحد منهم، من التدخل بالموضوع، وخاصة أن الشيعة منذ تكوين جبيل وكسروان وتطويب الأب شربل قديسا وهم يوزعون المياه على زوار دير ما شربل، أصلا كثير من شيعة جبيل هم في طليعة زوار دير مار شربل وعلى مختلف الأيام.

وما اكتبه هو جزء مما أعرفه وسمعته مباشرة وأدرك أدق تفاصيله، لكن المجال لا يتسع لذكر هذا الكم من النقاط التي أوصلت الشيعة والموارنة إلى نقطة اللاعودة، لذلك سأركز على بعض النقاط المفصلية التي أوصلتنا إلى هذا الطلاق النهائي.

2006- وأول ظهور لهذا التباعد بين الموارنة والشيعة كان بسبب حرب تموز عندما نزحت شريحة كبيرة من الشيعة وسكنت منطقة جبيل وكسروان، حينها ظهرت بعض التباينات، وانتشر الكثير من الشائعات، تحت مقولة قيادة حزب الله تسكن جبيل، ماذا لو قصف الإسرائيلي مراكز تجمع النازحين الشيعة في جبيل، هل القادمون من الجنوب يحملون أسلحتهم، هل يستعيد الشيعة مناطقهم وقراهم، هل يحصل تغيير ديموغرافي بحال قرر الشيعة البقاء في جبيل.

إضافة أن منطقة جبيل أظهرت للشيعة مساحة وخلفية آمنة، ساهمت بمنح حزب الله في الجنوب هامش كبير من الحركة، والقدرة على مواجهة العدو الإسرائيلي، مما دفع بخصوم الحزب إلى وضع فرضية، بأنه طالما شيعة جبيل يؤمنون مساحة آمنة لشيعة الجنوب، وهذه المساحة تقوي الحزب، إذا يجب منع تكرار هذه الظاهرة بأي حرب قادمة، ومن هنا ظهرت لاول مرة ومنذ الثمانينات هكذا نعرة في المنطقة.

2009 – بدا صقور الموارنة يستعيدون دورهم، وخاصة أن الصراع هو ماروني ماروني، فالتيار الوطني الحر، الذي كان يريد كامل حصة المسيحيين تحت شعار الإصلاح والتغيير، دخل بتصادم عميق مع الفريق المسيحي الاخر، مما أدى إلى تراجع شعبية التيار الوطني الحر إلى النصف، وقد أظهرت النتائج في الانتخابات النيابية عام 2009 في جبيل أن الفرق بين لائحة التيار واللائحة التي كان يرأسها فارس سعيد هو فقط 8 الإف صوت وهذه الأصوات جاءت مطابقة لعدد المقترعين الشيعة الذين اقترعوا جميعهم للائحة التيار، وهذا الأمر خلق نقمة من بعض المسيحيين على الشيعة كونهم مع طرف مسيحي ضد طرف مسيحي، وهكذا بدا العداء بين الشيعة وفريق مسيحي يكبر ويأخذ ابعاد خطيرة.

وعندما كنت أنتمي إلى التيار الوطني الحر حاولت مرارا وتكرار التحذير من ظاهرة مغادرة الكثير من المسيحيين ومنهم مناضلين للتيار، وبحال فقد التيار الأكثرية المسيحية سيفقد دوره، لكن قلة الذين كانوا يصغون إلى هذه الهواجس، ومنهم دولة الرئيس اللواء عصام أبو جمرة الذي كان لديه تصور كامل إلى أين سنصل ويصل لبنان، والمرحوم أنطوان حرب، والدكتور فادي عون الذي كان منسق المتن الجنوبي، أما الغالبية فكانت منشغلة بالمناصب، مما جعلني أغادر التيار أواخر عام 2009.

ومن باب الحفاظ على التعايش الشيعي الماروني، حاولت أن ألفت نظر الحزب، بان هناك بوادر أزمة مارونية شيعية تظهر، وهناك من افهم شريحة كبيرة من المسيحيين بان الحزب يقوي فئة مسيحية على حساب فئة مسيحية أخرى مما أشعر بعض المسيحيين بالغبن والظلم، فكان جواب الحزب لي، نحن تحالفنا مع من يمثل المسيحيين والتيار الوطني الحر يمثل 80 % من المسيحيين، ونحن حريصون كل الحرص على العلاقة مع الكنيسة وإخواننا الموارنة.

وعلى ما يبدو أن الحلفاء المسيحيين لم يكونوا مهتمين بالمزاج العام المسيحي، واصلا الحزب لا يتدخل تاركا هذه الامور للحليف المسيحي تطبيقا للمثل القائل اهل مكة ادرى بشعابها، مما انعكس سلباً على العلاقة المارونية الشيعية.

وبرغم  الغضب الماروني على الشيعة بسبب تحالفهم مع فريق ماروني، إلا أن هذا الغضب بقي جمراً تحت الرماد، فقد كان البطريرك صفير ينتقد حلفاء سوريا وضمنهم المسيحيون وحزب الله إنما تلميح ولم يكن يسمي أحداً، وبقي الأمر هكذا حتى استقالة البطريرك صفير 2011، والتي استغلها بعض المسيحيين بطريقة أنهم أقوياء، وقد ترك هذا التصرف جرحا عميقا في الكنيسة، ومنذ ذلك التاريخ دخلت العلاقة الشيعية المارونية منعطفا خطيرا، مع أنه لا علاقة للطائفة الشيعية باستقالة البطريرك صفير، لا من قريب ولا من بعيد.

ومع وصول البطريرك الراعي إلى سدة بكركي، حصل نوع من الهدوء، واعتقد كثير بان الأمور سلكت في تساهيلها، خاصة في ظل التضحيات الكبيرة التي بذلها حزب الله بالدفاع عن المسيحيين في سوريا ضد الإرهاب، إضافة إلى تعزيز الحوار المباشر بين بكركي والحزب، ولكن هذه الإيجابيات بدأت بالانحسار والتراجع، بسبب العوامل السياسية، والتنافس بين الموارنة على السلطة المدنية والكنسية، دفع ثمنها الشيعة الذين اتهموا أنهم السبب بتصلب فريق ماروني بموضوع المناصب،.

2014 قرر البطريرك زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبدل أن يتدخل حلفاء حزب الله المسيحيون بمسعى لدى غبطة البطريرك، أن يرسل من يمثله أو يتراجع عن زيارته، لأسباب رمزية وكي لا يستغل العدو الإسرائيلي هذه الزيارة، لمكانة البطريرك العظيمة في لبنان، إلا أن عدم تدخل أحد من المسيحيين، اضطر الحزب بأن يقوم بهذا المسعى، ولكن هذه المحاولة من الحزب لم تقبلها بكركي، تحت مقولة أن الكنيسة تعرف ماذا تفعل، وعدنا إلى نقطة الصفر حيث اكدت بكركي على توقف الحوارات بينها وبين الحزب، وللأسف لم يتدخل أحد من المسيحيين بمحاولة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بل بسبب الصراع الماروني الماروني وعلى قاعدة ان حليف عدوي عدوي، اخذ فريق بتأزيم الوضع اكثر واكثر، مما أدى إلى اتساع الهوة بين بكركي وبين الحزب، ولتمتد الى الشيعة، خاصة سكان جبل لبنان.

2016- حصلت الانتخابات الرئاسية والتي تحمل كافة نتائجها حزب الله، فالسنة والموارنة إضافة إلى فريق شيعي متمثل بحركة أمل، كانوا ضد نتائج هذه الانتخابات، والتي اعتبر أن الحزب فرضها بالقوة، مع العلم بأن الحزب لم يتدخل إلا بحضور الجلسات مثله مثل بقية النواب، ومما زاد الطين بلة، أن الموارنة عندما اختلفوا فيما بينهم على ما اتفقوا عليه، انفجرت كل هذه الضغوط السياسية بوجه حزب الله.

2017 – بعد سنة من وصول ترامب إلى سدة رئاسة أمريكا، وفرضه عقوبات على الحزب ولبنان، وقد تبعته عدة دول من بينها بعض الدول الخليجية التي وضعت الحزب على لوائح الإرهاب، تحرك اللوبي الماروني خاصة رجال الأعمال، بتأييد هذه العقوبات والالتزام بها، وهذا الأمر طبيعي حفاظا على مصالحهم، ولكن الأمور بدأت تأخذ منحى تصاعديا حيث بدا الكثير من رجال الأعمال الموارنة بإطلاق مواقف معادية للحزب ولحلفائه الموارنة، إضافة إلى حركة مارونية كبرى نشطت في أمريكا وأوروبا للتحريض على الحزب واتهامه بكافة أنواع التهم، وقد انعكست هذه المواقف على الداخل اللبناني مما ساهم باشاعة اجواء من الخوف لكل من يقترب من حزب الله، وبدا كثر من المسيحيين بالابتعاد عن الحزب، حتى غالبية المنتسبين بالاغتراب الى احزاب هي حليفة للحزب، اما انقلبوا على الحزب او تركوا هذه التيارات.

2018 – انكسرت الجرة بين بكركي والحزب، بسبب تشكيل الحكومة، مع أن حزب الله لا علاقة له بالجمود الحكومي، لكن الموضوع حمل لحزب الله، مع أن الموضوع كان عند الفريق الماروني المتحالف مع حزب الله، ليس مع حزب الله.

وهكذا تدحرجت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه بين الموارنة والشيعة، مع العلم بأن الشيعة حتى كتابة هذا المقال، هم حريصون أشد الحرص على العلاقة والشراكة الأخوية الممتدة لمئات السنوات مع الموارنة،

2019- انفجرت الأزمة اللبنانية، التي رميت بوجه حزب الله، حيث وجد الحزب نفسه مضطرا لمواجهة الشارع كي لا تذهب البلد إلى الفوضى بعد الحديث عن اقتحام قصر بعبدا ومجلس النواب من قبل المتظاهرين، بينما بقية حلفاء الحزب يتفرجون من بعيد، مما خلق انقسام كبير أيضا دفعا ثمنه الحزب الذي اتهم بحماية الفاسدين مع أن الجميع وبينهم دول عربية وغربية اكدت أن لا علاقة للحزب بأي ملف فساد.

2020- حصل انفجار المرفأ والذي كان غالبية ضحاياه من أهلنا المسيحيين، وما هي إلا لحظات حتى تم التصويب إعلاميا وسياسيا على الحزب وأنه السبب بتفجير المرفأ، وأنه مخزن أسلحة، وبعض أن أكدت عدة دول غربية، بأنه لا يوجد أي نشاط للحزب على المرفأ كون المرفأ مراقبا منذ سنوات، إلا أن الإعلام فعل فعله بلحظة مؤلمة للغاية.

2021 – ثم جاءت أحداث الطيونة، التي أعادت تذكير اللبنانيين بمشاهد الحرب الأهلية، وان لبنان مرة أخرى أصبح مهيأ لمثل هكذا حرب، إنما هذه المرة بين الشيعة والموارنة.

مع العلم بان الشيعة والموارنة لم يتقاتلوا أو اختلفوا منذ أن سكنوا جنبا لجنب في جبال لبنان ومن ثم على سواحله.

لقد مر لبنان بفترة صعبة جدا، بسبب المناكفات المارونية المارونية، اليوم تقريبا بدأت الأمور تأخذ فرزا مختلفا، هل سيتحرك بعض الموارنة اتجاه الشيعة خاصة أن الشيعة دائما يدهم وقلبهم وعقلهم مع إخوتهم الموارنة، وأن نفتح صفحة جديدة غير قابلة للاهتزاز بسبب اقل امر يحصل، كما حصل على طريق عنايا.

هل ستعود الأمور بين الموارنة والشيعة إلى ما كانت عليه قبل عام 2009 اقله الخلافات محصورة في القضايا السياسية، بعيدا عن هذا التأجيج ومحاولة البعض تقليب الإخوة على بعضهم لغاية في نفسهم.

فلا يجوز أن تنتهي هذه الشراكة بين الشيعة والموارنة، والتي عمرها أكثر من ألف عام، من أجل اختلاف أو خلاف سياسي مهما كان حجمه.

اكتب هذا المقال كون نخبة مارونية وشيعية تحثني دائما على الكتابة يهذا الاتجاه، علي انجح بايصال ما قطع، او تدوير الزوايا، او حتى التذكير.

شاهد أيضاً

الجعيد مهنأ الرئيس الايراني : “المسؤولية الملقاة على عاتقكم كبيرة جدًا ونتوسم كل الخير بسياستكم الحكيمة”

توجه المنسق العام ل”جبهة العمل الإسلامي” الشيخ الدكتور زهير عثمان الجعيد، الى رئيس الجمهورية الاسلامية …