الغدير.. اقروا البيعة لعلي ثم أنكروها طمعاً بالسلطة

جميل ظاهري

روى الخطيب الخوارزمي في المناقب (ص45 ط تبريز، وص36 ط نينوى طهران)، وجاء في الخصال, الجزء۱, ص۲۵۳؛ قال: باسناده عن أبي برزة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن جلوس ذات يوم: “والذي نفسي بيده، لا تزول قدم عبد يوم القيامة، حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت؛ فقال له عمر بن الخطاب، فما آية حبّكم بعدكم؟، قال: فوضع يده على رأس علي (عليه السلام) وهو الى جانبه وقال: ان آية حبي من بعدي حب هذا، وطاعته طاعتي، ومخالفته مخالفتي” – رواه كثيرون من كبار الصحابة والرواة ومنهم الخوارزمي في مقتل الحسين (ص42 ط الغري)، والحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10 ص346 ط مكتبة القدسي بالقاهرة)، والعلامة المولى محمد صالح الترمذي في المناقب المرتضوية (ص99 ط بمبي)، والعلامة الأمرتسري في أرجح المطالب (ص524 ط لاهور)، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب (ص183 ط الغري)، والعلامة الذهبي في ميزان الاعتدال (ج1 ص206 ط القاهرة)، والعلامة العسقلاني في لسان الميزان (ج4 ص159 ط حيدر آباد)، والعلامة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل ص 122، ورواه الطبري في بشارة المصطفى (ص160) باسناده عن أبي بردة، ورواه السيد أبو طالب في تيسير المطالب (ص73)، ورواه الشيخ الصدوق في الحديث 20 من المجلس العاشر من الأمالي (ص35)، ورواه الخوارزمي بسند آخر في الفصل (6) من مناقبه ص35 وأيضاً في الفصل الرابع من مقتل الحسين (ع) (ج1 ص42)، وعن احقاق الحق: ج4 الباب 220 ص234، وابن المغازلي في المناقب (ص119 ح157)، وغاية المرام (ص261 وب52 و53)، والحافظ ابن عساكر الدمشقي في ترجمة أمير المؤمنين (ع) من تاريخ دمشق (ج2 ص160 ح644 ط1)، والسيد أبو بكر الحضرمي في رشفة الصادي (ص45 ط مصر) وعن ما في الاحقاق ج18 ص356.
جمع رسول الله المصطفى الأمين صلوات الله سلامه عليه وعلى أهل بيته وأصحابه المنتجبين، وفي ختام حجة الوداع حشود الحجيج الذين قدر المؤرخون عددهم آنذاك بأكثر من (130) ألف حاج في منطقة “غدير خم” وبلغهم ختام رسالته الربانية، حيث خطب فيهم قائلاً: “أيها الناس، يوشك أن أدعى فأجيب.. وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون.. فماذا أنتم قائلون؟”.. قالوا: نشهد أنك قد بلغّت.. وجاهدت.. ونصحت.. فجزاك الله خيراً.. فقال (صلى الله عليه وآله): “أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وإن محمداً عبده ورسوله.. وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حقٌ بعد الموت، وإن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها.. وإن الله يبعث من في القبور؟”.. قالوا: بلى نشهد بذلك، فقال الرسول: “اللّهم أشهد”، ثم نادى بحشود الحجيج: “يا أيها الناس إن الله مولاي.. وأنا مولى المؤمنين.. وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه… اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه..”.. فأخذ خاتم المرسلين بيد علي بن أبي طالب قائلا: “من كنت مولاه فعلي مولاه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار…”؛ هو حديث الغدير الذي رواه ونقله كبار الصحابة والرواة والعلماء.
لا يشك أثنان من أن حديث الغدير متواتر صحيح السند أكده غالبية كبار الرواة من العامة قبل الخاصة، لضيق المقام نأتي هنا ببعض المصادر التي روت وعناوينها: أبن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 42- 44، وأبن كثير: تفسير القرآن العظيم ج 4 ص 113 وفي البداية والنهاية ج5 ص209، وابن عساكر في ج2، وابن حزم: الفصل ج 4- ص 148، وصحيح مسلم: ج 7- ص 122 – 1، والنسائي: الخصائص ص 39- 40 – 41، والمحب الطبري: ذخائر العقبى – ص 67، وابن المغازلي: المناقب من ص 29 الى ص 36، والشهرستاني: الملل والنحل ج1 ص 163، والحاكم: المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 109، والحافظ الذهبي في التلخيص ج3 ص109، وأبن حجر العسقلاني: الإصابة ج 2 ص 15 وفي ج 4 ص 568، والمقريزي: الخطط ج 2 ص 92، والإمام أحمد في مسنده: ج 1 ص 331 ط 1983، وأخرجه الامام أحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 119.
كما رواه البيهقي: كتاب الاعتقاد ص 204 وص 217 ط بيروت عام 1986، والسيوطي: الجامع الصغير ج 2 ص 642، والسيوطي: تاريخ الخلفاء ص 169، والمحب الطبري: الرياض النضرة ج 2 ص 172 وفي ذخائر العقبى ص67، وأبن خلكان: وفيات الأعيان ج 4 ص 318 و319، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج 7 ص 437 ، وأبن قتيبة: الإمامة والسياسة ج 1 ص 109، وأبن تيمية: حقوق آل البيت ص 13، وابن كثير: تفسير القرآن ج2 ص15، والآلوسي: روح المعاني ج4 ص282، واليعقوبي: تاريخ اليعقوبي ج1 ص422، والنيسابوري: ثمار القلوب ج2 ص906، والسمهودي: جواهر العقدين ص236، والنسائي: فضائل الصحابة ص15، وابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول ص4، ، و ابن خلدون: المقدمة ص246، وعشرات أخرین غيرهم، حيث لا يسع المقال لذكرهم جميعاً .
اختلف البعض في تفسير خطبة خاتم المرسلين محمد صلى اله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بـ”غديرخم”، وبغية وضع النقاط على الحروف لابد من تحليل نص خطبة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في واقعة “غدير خم” :-
1- لقد جعل الرسول علي بن أبي طالب في المقام الذي جعله الله سبحانه وتعالى له.
2- إن النبي محمد (ص) أراد بـ”المولى” الامام، كما ذكر نصها في الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني ص 25، وكتبه الطبراني في المعجم الكبير بسندٍ صحيح عن زيد بن أرقم، وعن حذيفة بن أسيد، وأكده مناقب الخوارزمي ص 94، ورواه النسائي في الخصائص وابن الجوزي في المناقب.
عظماء رواة الحديث والتاريخ أكدوا أنه بعد أن فرغ الرسول صلوات الله عليه من خطبته بايعت حشود الحجيج الحاضرة في واقع الغدير “علياً” بالخلافة بعد الرسول دون فصل بإمرة المؤمنين (الامام علي جدل الحقيقة لمحمود محمد العلي)؛ فجاء الشيخان: أبو بكر وعمر الى رسول الله وقالا: هذا أمرٌ منك أم من الله ؟ فقال النبي (ص): وهل يكون هذا عن غير أمر الله سبحانه وتعالى، نعم أمرٌ من الله ورسوله فقاما وبايعا، فقال عمر لعلي: “السلام عليك يا أمير المؤمنين بخٍ بخٍ لك لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة” – أبن كثير في النهاية: 7/386 وكذلك أكثر من (68) من كبار رواة وعلماء العامة في مختلف كتبهم منها الصحاح والبخاري والتي ذكرنا بعضها سلفاً.
“واقعة الغدير” تنطوي بعنوانها كميثاق للأمة المحمدية ودستورها القرآني الأصيل، على خصوصيات مهمة منها:
* الأولى: ظرفيتها، حيث تزامنت مع آخر لحظات الرسالة الخاتمة وتجلت من خلالها أرقى حقيقة وجودية ألاّ وهي “الولاية”؛ وكأن لسان الحال فيها يؤكد أن “لا دين بلا ولاية”؛ لأنّ الدين المفرَّغ من الولاية ماهيته مغايرة للحق والقانون الإلهي، ويسير بالأمة نحو الإنحراف والنفاق والمكر والتكفير والخديعة التي أبتلي به المسلمون على طول تاريخهم حتى عصرنا الراهن .
* الثانية: مصداقها، وهو “ولي الله” علي بن أبي طالب المتصدي للدفاع عن حريم هذه الحقيقة الدينية والمتجلي في شخص من فدى رسول الله بنفسه، وبات على فراشه، وقاد جيشه في المعارك والحروب، وقتل صناديد العرب الكفرة والفسقة الفجرة، رافعاً لواء الاسلام المحمدي الأصيل وصبر على أذى كبار القوم وجهلائهم ومنافقيهم حتى أريق دمه الطاهر على يد الفرقة التكفيرية الضالة الشقية وهو قائم يصلي في المحراب .
* الثالثة: مفهوم القيادة الذي جسدته “واقعة الغدير” يُمكّن الأمة الإسلامية من صياغة وجود يقيها الضياع، ويشدّ على يدها مؤمناً لها المسير على صراط مستقيم، يضمن لها أطرا سليمة وقوانين إسلامية كانت قد هجرتها ردحًا من الزمن، رغم تحذيرات نبيها فعن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في خطبة حجة الوداع: “… لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ….
وا أسفاه.. سرعان ما أنكرت الجماعة وجحدت حق الوصي الامام علي عليه السلام، وذلك في لحظات ضئيلة مرت على إعلان نبأ إستشهاد رسول المحبة وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجسده لازال لم يوار الثرى؛ وإذا بهم ينكرون كل المواثيق والعهود التي قطعوها في حجة الوداع بغدير خم.. فاجتمعوا في سقيفة “بني ساعدة” متفقين بقوة السيف وحب السلطة على غصب الخلافة من الوصي الشرعي علي بن أبي طالب والذي استمر لعقدين ونيف، فأعوجت الأمة ومرقت المارقة وأزفت الآزفة ونعق الناعقون في النفاق والفرقة والجهالة والتحريف ضالين مضلين مكفرين لهذه الفرقة وتلك، بلاء عظيم ابتليت به الأمة يحرقون ويقتلون ويدمرون ويسلبون وينهبون ويتوارثون الحكم جاهلية بقبضة حديدة وفرعنة وطغيان وديكتاتورية .
قالوا إنها كلمة قلناها لرغبة الرسول فيها!!، متجاهلين من أن البيعة ما هي إلا كلمة؛ وأن الكلمة كبرت وأصبحت دين في رقابهم؛ وما دين المرء سوى كلمة؛ وما شرف الرجل سوى كلمة؛ وما شرف الله سوى كلمة.. بالكلمة تنكشف الأمة؛ الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة.. الكلمة زلزلة الظالم؛ الكلمة حصن الحرية؛ إن الكلمة مسؤولية؛ إن الرجل هو الكلمة؛ شرف الرجل هو الكلمة..” – من كلام الامام الحسين عليه السلام لحاكم المدينة الوليد بن عتبة عندما أراد الأخير منه البيعة للطاغية الزاني “يزيد”.. ؛ فما أن رأوا الرسول يحتضر الموت للقاء ربه حتى نقضوا بيعتهم وشكلوا “سقيفة بني ساعدة” منكرين على الحبيب محمد الأمين وصيته التي أوصاهم بها بأمر من الله سبحانه وتعالى، والتي أراد أن ينصها على ورقة لتكون سنداً ووثيقة دامغة لما أخذه منهم يوم “غدير خم”.
منعوا الرسول الأكرم (ص) في آخر لحظات حياته الشريفة من أن يكتب للصحابة كتاباً لا يضلّوا من بعده أبداً، فصاح ذلك الرجل بمقولته الشهيرة: “اتركوه أن الرجل ليهجر!!” – رواه صحيح البخاري 4: 85، وصحيح مسلم 3: 1258، وتاريخ الطبري 3: 193، والكامل في التاريخ 2: 320، وتاريخ ابن الوردي 1: 129، والنهاية في غريب الأثر ج5 ص212، ولسان العرب ج5 ص254؛ وقال أبو عيسى الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح “- سنن الترمذي ج5 ص 37 ؛ ويرى ابن أبي الحديد أنّ الحديث المذكور: “اتفق المحدِّثون كافة على روايته”.. فحلت المصيبة على الأمة حتى يومنا هذا.
روي أنّ أبا قحافة (والد أبو بكر) كان بالطائف لمّا قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبويع لأبي بكر (في السقيفة).. فكتب لوالده كتاباً عنوانه: “مِن خليفة رسول الله إلى أبي قحافة، أما بعد: فإنّ الناس قد تراضوا بي، فإنّي اليوم خليفة الله، فلو قدمت علينا كان أقرّ لعينك”. قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من علي؟ قال (الرّسول): هو حدث السنّ، وقد أكثر القتل في قُريش وغيرها، وأبو بكر أسنّ منهُ!!! قال أبو قحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسنّ، فأنا أحقُّ من أبي بكر، لقد ظلموا عليّاً حقّه، وقد بايع له النبيّ (ص) وأمرنا ببيعته!!!.
ثم كتب إليه: “من أبي قحافة الى ابنه أبي بكر أما بعد ، فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق، ينقض بعضه بعضاً، مرّة تقول: خليفة رسول الله (ص)!!! ومرة تقول: خليفة الله !!! ومرّة تقول: تراضىٰ بي النّاس!!! وهو أمر ملتبس، فلا تدخُلنّ في أمرٍ يصعب عليك الخروج منه غداً، ويكون عقباك منه الى النار والندامة وملامة النفس اللوّامة لدى الحساب بيوم القيامة، فإنّ للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بها منك، فراقب الله كأنّك تراه ولا تدعنّ صاحبها، فإنّ ترْكها اليوم أخفّ عليك وأسلم لك.. والسلام” – (مباهج المهج للشيخ قطب الدين الكيدري/ الفصل الرابع، شرح النهج لإبن أبي الحديد المعتزلي جزء 1 ص/222، بحار الأنوار للمجلسي جزء 8 ص/88، والاحتجاج للعلامة الطبرسي جزء 1 ص/226)
لعل سائل يسأل إن كان حديث الغدير والذي نقضه بعض كبار الصحابة صحيحاً لم يحتج به الامام علي (عليه السلام) يوم السقيفة؟!.
الجواب : لم يحتج الامام بحديث الغدير يوم السقيفة، لسبب جلي وبسيط.. وهو انه لم يحضر السقيفة أصلاً ولم يشارك فيها.. بل عزّ على القوم أن يكون بينهم لعلمهم بأن مقاييس أمورهم ستنقلب بوجوده،.. فلقد كان شغله الشاغل آنذاك وهمه الكبير تحضير جنازة أعظم مخلوق، وأجل إنسان، وسيد كل مرسل.. ألا وهو الرسول القائد العظيم وحزنه بفقدانه لا تسعه الأحزان ورزيته بموته الذي هز كيان الأمة الإسلامية جعلته بمنأى عن مآرب الآخرين.. لكن أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) ذكر واقعة الغدير بعد حين في خطبته (الشقشقية) التي قصد فيها تثبيت حقه للمسلمين، وللتاريخ.. فكان له ذلك دون شك أو ريب، بعد أن رأى فرصة إظهار الحق قد تحققت وآن أوانها..( ماذا تعني كلمة (مولاه) في حديث الغدير؟! عبد الحسين الدعيمي).
أخيراً وليس بآخر، روى المؤدب عن أحمد الأصبهاني عن الثقفي عن يحيى ابن الحسن بن الفرات، عن هارون بن عبيدة، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن قال: قال عمر حين حضره الموت: “أتوب الى الله من ثلاث: إغتصابي هذا الأمر أنا وأبو بكر من دون الناس (الخلافة بعد النبي من علي)، واستخلافي عليهم، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض” – الخصال ١/١٧٠ باب الثلاثة حديث ٢٢٥، بتفصيل في السند.
[email protected]

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …