بحث معمق: فلسطين في انتفاضة ثالثة مسلحة لا سبيل لها الا النصر والتحرير -٣-

 ميخائيل عوض

واقع عناصر قوة اسرائيل وحالتها الراهنة.

تمكنت اسرائيل من عناصر القوة والسطوة وتعملق دورها على اثر هزيمة ١٩٦٧  وتحولت الى منصة محورية لتخديم المشروعات الامريكية والاطلسية، وسعت لمد اذرعها في كل مكان. بينما العرب دخلوا حقبة انقسامات ومحاور وصراعات فيما بينهم على اثر زيارة السادات للقدس وتحويل مصر من قوة عربية رائدة ووازنه وتقود محور عالمي في دول عدم الانحياز الى قزم وراس رمح الدفاع عن الكيان وتمرير المشاريع والمصالح الغربية وانقلب السادات على السوفييت وارتمى بأحضان اسرائيل والغرب وتمكنت السعودية من الهيمنة لحقبة طويلة كقاعدة ومنصة امريكية وممول لحروب اسرائيل وامريكا ومصانع سلاحها وقطاعاتها المالية.
القدر ساند سورية وعوضها عن خروج مصر ومنافسة العراق وعربدات صدام، بانتصار الثورة الاسلامية في ايران وتحالف الاسد مع الثورة وسلطتها واسندها في دفاعها ضد حرب صدام الامريكية والممولة خليجيا.
ترسخت العلاقات السورية الايرانية وتقدمت عناصرها وتعمقت على اثر غزو اسرائيل لبيروت١٩٨٢ بقيادة امريكية ولمشروع اقامة قاعدة لقيادة الشرق الاوسط وفرض اسرائيل كبرى وعظمى وانشاء الشرق الاوسط الجديد بإدارة اسرائيل، واثمر التحالف الايراني السوري تعظيم خيار المقاومة وتعزيزه كأحد خطوط الاستراتيجية لتحقيق التوازن الاستراتيجي وانهاك اسرائيل والغرب.
بينما سورية تحاول وتسعى لتجميع الاوراق في مواجهة تحولات مصر وبروز علامات ضعف وتفكك الاتحاد السوفيتي، وايران منشغلة بحرب الخليج الاولى ورد العدوان، تمتعت اسرائيل براحتها وبنت واطلقت كل واي من عناصر قوتها الاستراتيجية والتكتيكية، التي تجسدت بالمعطيات التالية:
١-نموذجها كدولة حديثة وعصرية ديمقراطية، وتبادل السلطة بانتخابات منتظمة، وقوة اقتصادية متعاظم دورها ورائدة في قطاعات التكنولوجيا وصناعة السلاح والزراعة والتصنيع الزراعي.
عنصر القوة هذا في الحالة الراهنة تبخر تماما، فإسرائيل اصبحت بنظر الغالبية العظمى في الرأي العام العالمي، كيان عدواني متطرف يميني استيطاني ودولة ينخرها الفساد وحروب قبائل اسرائيل، وتعجز عن انتاج حكومة منسجمة وقد اجرت ٤ انتخابات للكنيست خلال عامين وفيها حكومة مفككه ومتصارعة وقابلة للسقوط في اي لحظة.
القوة الاقتصادية والتفوق التقني وبصناعة السلاح تبين انها كذبة ومعجزة مفبركة، والاقتصاد الاسرائيلي برمته يعتاش على دعم اكبر سوقين عالميين؛ سوق الاتحاد الاوروبي والسوق الامريكية، وتعتمد كليا على الدعم والتمويل الخارجي الذي كلف اوروبا وامريكا اكثر من ١٢ تريليون دولار بحسب دراسات امريكية واوروبية والصناعات العسكرية والتقنية ليست الا فروع لشركات امريكية واوروبية لاذت بإسرائيل المعفية من الضرائب والمواصفات والرقابة. فالمنتجات الاسرائيلية في غالبية الاسواق العالمية لا تخضع للجمارك ومعفية من الضوابط والمواصفات، بالإضافة الى تمويل المصارف والشركات واللوبيات الامريكية والاوروبية لإسرائيل وتبرعاتها التي تعفيها من الضرائب في بلدانها.
٢- كانت لها سمعة ونفوذ في الرأي العام العالمي كنموذج لتطوير وتحضير الشرق وتحولت الى وبال على القيم الغربية وانكشفت على نظام استيطاني عنصري معادي للإنسانية وحقوق الانسان ونهضت حملات مقاطعة عالمية واسعة تركت صداها في الكونغرس الامريكي كما جرى في ايام سيف القدس العام الماضي
٣- امتلكت اسرائيل اقوى جيش” او هكذا صورته الدعاية المتقنة” واكثر الجيوش تقدما وتقانة وتسليح حديث ومتقدم تقنيا، ما وفر لها فرض شروطها وتحقيق مصالح الغرب عبر الاحتلال ونجحت بفرض شروطها واسقاط مصر بالتفاوض ومع الاردن ومنظمة التحرير وفرضت رئيس وحكومة موالية في بيروت واتفاق ١٧ ايار، الا ان عنصر القوة الاستراتيجية هذا سقط وانتهت مفاعيله في لبنان وصعود خيار المقاومة وانتزاع انتصار ايار ال٢٠٠٠ تحت النار وبلا تفاوض او شروط وبانسحاب ذليل للجيش الاسرائيلي من لبنان وصفته يديعوت احرنوت؛ بالجيش الذي وضع رأسه بين فخذية، وتثبيتا لحقيقة انهيار عنصر القوة هذا فقد تحررت غزة وهي من فلسطين التاريخية عام ٢٠٠٥ وفككت مستوطنات غلافها تحت النار وبلا تفاوض او شروط، وبذلك انتهت والى الابد قدرة اسرائيل على الاحتلال وفرض الشروط والارادة.
٤-كان لإسرائيل ذراع طويلة واستراتيجيات حروب نظيفة وخوض الحرب في ارض الخصم وحسم الحرب بسرعة، وفرض ارادتها ومصالح الغرب، وهذه ايضا سقطت وانكسرت وانتهت الى الابد، في حرب تموز٢٠٠٦ تمرغ جيشها بالوحل وخسر الحرب وطالت ل٣٣ يوما وانهمرت الصواريخ على عمق الكيان وخسرت اسرائيل رهانات امربكا والغرب عليها وخرجت يديعوت احرنوت بعنوان؛ اسرائيل كلب صيد امريكي فقد قدرته، وقدم بترايوس شهادته امام الكونغرس٢٠٠٩؛ اسرائيل اصبحت عبئا ثقيلا  وتكرر سقوط وانكسار هذا العنصر الاستراتيجي في خمسة حروب استهدفت غزة المحاصرة والجغرافيا المسطحة ومحدودة المساحة ٢٦٠ كلمتر مربع وصمدت غزة وكسرت حصارها بالطائرات الورقية والبالونات الحارقة وبالأجساد العارية تتظاهر على الشريط الشائك. فانتفت قوتها هذه وتعجز عن فرض الشروط بالتهويل بالحرب او بالحرب السريعة وباتت صواريخ غزة قادرة على ضرب اي موقع في فلسطين واسقطت صواريخ سيف القدس القبة الحديدية ومقلاع داوود وغيرها من اسلحة الدفاع الجوي وانهى صاروخ الكورنيت في حرب تموز وحروب غزة اسطورة الميركافا وسلاح البر والمدرعات الاسرائيلية والى الابد، وطائرة حزب الله المسيرة التي حلقت ل٤٠ دقيقة في اجواء فلسطين حتى طبريا وتخفت عن الرادارات وتملصت من الصواريخ والطائرات وعادت سالمه  فأنهت كذبة التفوق الاسرائيلي التقني وبسلاح المسيرات والحرب السيبرانية وباتت تعيش هاجس مسيرات غزة ولبنان واليمن، واقرت قيادات اسرائيل بخسارة المعارك بين الحروب في سورية واقرت بصحة اعلان السيد حسن نصرالله بامتلاك المقاومة سلاح دفاع جوي فعال وبتمكن عقول المقاومة من تصنيع المسيرات وتحويل كل الصواريخ الى دقيقة.
٥- راهنت اسرائيل وحلفها وامريكا على خيار التسوية والتصالح واستمالة بعض القوى الفلسطينية في اتفاق اوسلو واقامة سلطة لإدارة معازل وسجون الضفة الغربية ورسمت اوهام على التطبيع واعلان التحالف مع دول وحكومات عربية  وسعت ل٧٣ سنة لتصفية القضية الفلسطينية بتفتيت الشعب الفلسطيني وتحويل قضيته الى مسائل وقضايا جاليات ففلسطيني ال٤٨ مواطنين من الدرجة الثاني في دولة يهودية وفلسطيني الضفة تحت وصاية ادارة معازل وسجون والتنسيق الامني وغزة امارة بديلة لفلسطين واللاجئين للتوطين، فجاءت احداث رمضان الماضي وانتفاضة حي الجراح وسيف القدس واعادت القضية الى جوهرها قضية حق قومي ووطني لشعب موحد مقاوم لا ولن يستسلم وتؤكد الاحداث الجارية في فلسطين انها انجزت كل الاستعدادات والتحضيرات مع محور المقاومة لإطلاق انتفاضة مسلحة رجالها اشداء ويستخدمون السلاح الناري بتقانة ومهارات نوعية ويحققون خسائر فادحة لإسرائيل على كل المستويات. فانهيار جهود التطبيع وخيار التسويات والتفاوض وانكشاف كذبة صفقة القرن، يسقط من يد اسرائيل وامريكا مهيمنة عالميا هذا السلاح ويؤكد ان خيار فلسطين والامه الوحيد هو المقاومة ويتقدم ويعصف في فلسطين التاريخية على وقع التطورات الجارية والمعاشة.
٥- كان لإسرائيل عناصر قوة في الرأي العام العالمي، وتضامن نسجتها فبركة الهولوكوست، وابتزت عبرها الدول الاوروبية والشعوب، وبررت عدوانيتها المتوحشة وقد بدأت تنحسر بقوة وسرعة فالكذبة انكشفت للعالم واجيال اوروبا تحررت من الكذبة ووسائط التواصل وفرت اليات للمعرفة حرة ولم تعد القوانين الجائرة بتجريم التشكيك بالمحرقة لها قيمة، وفي امريكا اجيال جديدة ايضا لم تعد مشغولة بدعم الامبراطوريات والحروب ولا تهمها عنتريات الهيمنة، والاهم بسقوط الاتحاد السوفيتي انجزت اسرائيل ترحيل اليهود الباقين كخزان في العالم  اليها ولم يعد من مصدر لتامين مهاجرين بل على العكس الانتفاضات الفلسطينية وتعاظم قوة المقاومة عززت الهجرة المعاكسة وقد غادر اسرائيل نهائيا اكثر من مليون وثلاثمائة الف جلهم من لأشكيناز والطبقة الوسطى فتحولت اسرائيل الى مجتمع يميني تهيمن عليه كتل التدين والاستيطان وتراجعت الوسطية والسلامية واليسارية وباتت الانتخابات بين اليمين والاكثر يمينية وعدوانية وبهذه فقدت اسرائيل عنصري قوة محوريين؛ دعم الرأي العام العالمي والمدد البشري من الجاليات اليهودية وفقدت صفتها ارض الميعاد والفرص وواحة الديمقراطية والعيش الرغيد، وبات التوازن الاثني في الضفة و٤٨ يميل لصالح العرب فعدد اليهود المقيمين فيها لا يجاوز ٤،٥ مليون بينما الفلسطينيين اكثر من ٥ مليون.
…يتبع
غدا؛ في انهيار عناصر قوة واسناد اسرائيل في العرب والاقليم والعالم..
محور المقاومة يسود ويفرض التطوران والاحداث…

بيروت؛ ١٣-٤-٢٠٢٢

شاهد أيضاً

الانتخابات في أوروبا والانقلابات الكبرى إلى أين؟

ناصر قنديل لا يبدو الحديث عن الموجة اليمنية الكاسحة في أوروبا دقيقاً، عندما نعاين نقطة …