العطور ومسارها عبر العصور

 

 

أقدم العطور

من مصر وبلاد فارس

أحمد فقيه

كانت العطور قديماً تستخدم على مستويين، ديني ودنيوي، ويبدو أن الإستخدام الأول كان هو الأسبق، ويذكر ادمون رود نتسكا في كتابه “العطور” أن أول زجاجة عطر أشير إليها تاريخياً هي تلك التي وجدها الأسكندر الأكبر في غنائم داريوس الثالي (330 ق.م)، إلا أن إستخدام المواد المعطرة الطبية يعود إلى عهود قديمة جداً. إذ يذكر أن “إستر” اليهودية، قبل أن تقدم زوجة لكسرى ملك الفرس، كانت تعطرنفسها بزيت النخيل والكافور، كما وكان للعطر عند المصريين والأشوريين معنى ديني ودنيوي، أما في الهند فقد كان في الأساس تعبيراً دينياً.

مصر أول مصدر للعطور المصنع

بلغت صناعة العطور في مصر تطوراً هاماً جداً في عهد البطالمة، إذ كانت المصانع الرئيسية (الأسكندرية) والمواد الخام تأتيها من شبه الجزيرة العربية، وفارس والصين والهند، ويقول المؤرخون أن مصر كانت أول مصدر للمواد العطرية المصنعة، فبالإضافة إلى تحنيط الموتى، فقد كانت العطور والنباتات العطرية تستخدم في كثير من العلاجات، هذا عدا الاحتفالات الدينية التي كانت تعتبرمن كبار المستهلكين للمنتجات العطرية على شكل قرابينأو مسوح مطهرَّة.

 

اليونان، وزيوت الأزهار

كانت النساء في البداية يستخدمون المراهم المعطرة المستخرجة من البلاسم والمواد الراتخييه والتوابل، وأنتشر ذلك من مصر إلى اليونان، ثم شملت مجموعة العطور والزيوت المستخرجة من الأزهار، فكان ذلك أول منعطف في تاريخ صناعة العطور.

 

وبهذا يكون اليونانيون هم أول من أستعمل العطور لأغراض دنيوية، وقد تعددت أنوا العطور التي كانت عبر مصر لتنقله إلى اليونان ومن ثم إلى روما ومنها: اللبنان، المرّ، الصندل، المسك، العنبر، الكافور والجلبانوم، وذلك بالإضافة إلى التوابل مثل: القرفة (الدارسين)، القرنفل، الفلفل، جوزة الطيب، الزنجبيل، الهال والفانيلا.

ضعف الجانب الديني للعطور

وبعد الفتوحات والتبادلات التجارية، وجدت مصادر أخرى لتأمين العطور، ونقل المختصون والمهتمون بالعطور طرائق أخرى إهتم بها الغرب، مما ساهم كثيراً في خلق حاجات جديدة وإنتشارها، وهكذا ضعفت الخاصية المقدسة للعطور التي فقدت مدلولها الغامض بعد أن ضعف نفوذ الكهنة ورجال الدين.

أما في روما فقد وصل الولع بالعطور حداً متطرفاً للغاية، إذ كانت الحمامات والملابس والباحات الداخلية للمنازل وزيوت المصابيح تقطر بغزارة، كما عرف البذخ والتهور في إستعمال العطور خلال طقوس العربدة الرومانية الشهيرة.

 

العرب.. والعطور الحديثة

ساهم العرب بشكل فعال في تطوير العطارة بإبتكار حلزون التقطير والأنبيق اللذين ساهما في الكشف عن الكحول الذي أصبح الأساس المفضل للعطور الجديثة، كما أن جهاز التقطير، بإفساحه المجال لتقطير العديد من النباتات العطرية أمَّن الخلاصات التي أغنت بشكل معتبر مجموعات العطارين، وهذا ما شكل المنعطف التاريخي الثاني لصناعة العطور قبل التطور الكبير الحاسم الذي تم في القرن التاسع عشر مع كيمياء الأجسام الشذية التي وسعت إلى ما لا نهاية الإمكانات الإنشائية للعطارين وبشرت بالمركبات الواسعة للقرن الحالي، حيث لا مجال لمقارنة التصورات المعقدة والتقنية الجمالية مع وصفات الماضي.

 

 

العطور.. من هارون الرشيد

لشارلمان

بلغت المساهمات العربية في تصنيع العطور درجة كبيرة جداً، وذلك نظراً لوجود العديد من العلماء الكيميائيين الذين أهتموا بها أمثال: إبن سينا والرازي، ومما يذكر أن هارون الرشيد كان يؤمن وصول العطور إلى شارلمان من بغداد وأن قرطبة (في الأندلس) كانت تحوي ألف حمام عام تستخدم فيها مواد معطرة، وحالياً تساهم مصر في تحقيق صناعة عطور متميزة وذلك بتقديمها للعالم خلاصة أزهار الياسمين التي تنتشر زراعتها في دلتا النيل ومنطقة الاهرامات وما جاورها.

 

العطور تغير من العادات

الإجتماعية في الغرب

مع عودة الصليبيين، أنشأت عادة إقتران إستعمال العطور مع مظاهر الترف والبذخ في المناسبات الإجتماعية الكبرى في الغرب. لقد كان النبلاء الكبار يعدّون في قصورهم الزيوت والخلاصات العطرية، وقد مارس تجار البندقية تجارة مزدهرة للعطور، وبفضل المنتجات العطرية، بدأ يظهر في فرنسا شيئاً فشيئاً ميل إلى مظاهر التلطف والتجميل، ولم تلبث أن سادت هذه العادة، ثم تطورت إلى حاجة إجتماعية للتعبير عن الشخصية والمظهر الأكثر إعتباراً أو جاذبية. وهذا بالطبع توافق مع تجار العطور الذين كان منهم أربعة ملوك كبار هم: فيليب أوغست (1189-1223)، وجان الطيب (1350  1364)، وهنري الثالث (1574-1589) ولويس الرابع عشر (1643-1715)، أما فرانسوا الأول (1515-1547) فقد جذب صناع العطور إلى فرنسا بتشجيعه للفنانيين الإيطاليين.

 

 

فارنيا وماء الكولونيا

ظهر في عهد لويس الرابع عشر الكيميائي الإيطالي جان ماري فارينا (1685- 1766)، الذي قال أنه أخذ عن تاجر جوال وصفة ماء عطري، خطر له أن يستثمره في المانيا، وقد أقام معملاً في مدينة “كولوني” وأعطى مستحضره إسم “ماء كولونيا”. وقد لاقى نجاحاً باهراً، ولا يزال هذا المستحضر يستعمل حتى اليوم، إذ أنه الإنتاج المفضل لمؤسسة عطور روجيه وغاليه (Rorer &Gallet التي اشترت الإمتياز وطريقة الصنع من ورثة جان ماري فارينا.

 

 

ظهور هنيات خاصة بالعطور

في القرن الثامن عشر بدأت تظهر هنيات خاصة بالعطور، منها هنية مصنعي العطور في مدينة غراس، تم معطر هو بيغان   (Houbigant) في باريس، ومعطرة لوبن (Lubin) وبيفر (Piver)، وغرلن (Gruelin)،  ولوجيه (Laugier)، وفي مطلع القرن الماضي أنضمت إلى المجموعة  معطرة فرانسوا كوتي الذي غزا باريس والعالم بإبتكاراته الرائعة والتي تعد الأولى في عالم العطارة الحديثة.مصممي الأزياء

 

 

إن النجاح الكبير الذي شهدته العطور من الشهرة دفعت مصممي الأزياء الكبار ليجربوا حظهم في هذا المجال، وكان اول من أفتتح هذا الخط هو بول بواريه (Paul Poiret) الذي ساد عالم الموضة وفتن بعروضها باريس، وفي عام 1925 أطلق كوكو شانيل أول عطوره فحاز على نجاح باهر مهد الطريق امام المصممين الآخرين، أمثال: جان لانفين، كارفن (Carven)، باتو (Patou) بيغيه (Piguet)، مارسيل روشا، كريستيان ديور، نينا ريتشي، جيفنشي، سان لوران، باكورابان، هرمز، لاروش وغيرهم الكثير.

شاهد أيضاً

متحف البوفيسور أسعد رنو ملتقى الطلاب والفنانين

دعت عائلة البروفيسور الفنان أسعد رنو إلى يوم فني ثقافي بعنوان مسيرة الموهبة والإبداع لمناسبة …